الاثنين، 23 أبريل 2012


|تصحيح نظر
                                                                                                                                                                   الثلاثاء
25/5/1433هـ

أهم بحمل أغراضي حين تطل سكرتيرتي حاملة لائحتها..
: د/يزن بقيت السيدة فيروز
فأضع أغراضي باسما وأصرخ باتجاه الباب..
: تفضلي يا خالة
تدخل حاملة فطائر "الكاكاو" ضاحكة وتجلس في مكانها الذي اعتادته..
: مرحبا بني.. كيف حالك؟ وما أخبار العيادة؟ 
وتطرح عليّ الأسئلة وأتأملها منتشيا مسندا خديّ إلى يديّ.. أرى في ملامحها ألق الستين زاهٍ رغم تجاعيدها وسنينها الطوال.. وأجري لها كعادتي منذ أربعة أشهر فحوصات للعيون بعد إصابتها مؤخرا بضعف في النظر..
وتقول لي في كل مرة..
: هل سأرتدي نظارة يا بني؟
فأجيب ضاحكا..
: يبدو لي ذلك سيدتي
فتتجاهل حديثي وتقدم فطائرها.. وتدردش معي..
: ما أخبار شقيقتك؟
أتنهد..
: بخير..
ولا أكتفي عند تلك الإجابة فمنذ أن قابلت السيدة فيروز أجدني أحدثها عن كل ما بي وأستشيرها خاصة في مشكلات علاقتي بـ سمية شقيقتي التوأم..
***
أعود إلى شقتنا بعد يوم مجهد فلا أجدها.. وفورا أخرج هاتفي غاضبا..
: ألو سمية عودي فورا..
تغلق الخط في وجهي.. وأعاود الاتصال لكنها تغلق هاتفها.. فأصرخ..
: وقحة !
ورغم غضبي ذاك أسر في نفسي حزنا يصحو داخلي كلما تشاجرت معها.. وشعور بالضيق كلما رأيت أخوتنا تذوب وسط مشكلات تافهة.. وأستسلم للنوم دون عشاء تلك الليلة..
وحينما أستيقظ يبدأ الشجار.. وتتهمني أني لا أقدر احتياجاتها.. فأتهمها أنها مستبدة وساذجة وأخرج إلى عملي قبل الوقت بساعة لأتقي شرها !
أصل إلى عيادتي باكرا وأبدأ باستقبال مرضاي حتى يأتي دورها..
تدخل عليّ..  فأُدهش..
: ارتديتِ نظارة يا خالة؟! سبحان مغير الأحوال
: ألم تقل أنني بحاجة لتصحيح نظر؟
فأصفق معجبا..
: جميل.. جميل
فتقول ساخرة..
: كلنا بحاجة لتصحيح نظر لنرى الأشياء كما هي عليه
أبتسم وتحدثني عن صحتها وتقدم لي الفطائر وتخرج مودعة.. ثم تُدخِل رأسها من الباب.. ككل مرة..
: بلغ سلامي لـ سمية رغم أني لم أرها..
وأبتسم مقدرا فرغم أنها تعيش وحدة قاتلة إلا أنها لا تفقد روحها المرحة وبسمة تضفي عليها نضارة رغم كبر سنها.. راضية دوما وشاكرة.. والعجيب أن صيتها ذائع في المشفى أكثر من طبيبها !!
خرجتُ من المشفى.. لكن شيئا ما استوقفني.. تلك جملتها رنت في أذني..
"كلنا بحاجة لتصحيح نظر لنرى الأشياء كما هي عليه"
أجريت فحصا سريعا لنفسي فوجدتني بحاجة ماسة لتصحيح نظر.. وبدأت أفكر فيما كنت أقود سيارتي باتجاهها.. هل حقا كنت معك يا سمية في رحم واحد؟!.. ابتسمت لما تخيلتنا أجنة خلقنا معا وولدنا معا.. صرخاتنا تعالت معا.. والحاضنة واحدة.. السرير واحد.. والقلب قطعتين من قطعة فلم افترقنا؟!.. أعلم في قرارة نفسي أني أحبك.. لكن شيئا ما يمنعنا من الحديث.. ربما لم أنظر يوما إلى عينيك لأعرف ما يشغلك عني.. ولو أني نظرت إليهما لوجدتني فيهما..
عدت إلى الشقة فوجدتها هادئة.. عبقة برائحة البخور.. دخلت غرفتي فرأيتها تقف عند خزانتي ترتب ملابسي.. احتضنتها من خلفها وأسندت رأسي إلى كتفها..
: سمية.. فكرت أنني اشتقت إليك..
فرأيت دمعة تنساب من عينها.. وأفلتتني لتعود إليّ معانقة تجهش بالبكاء..
: وأنا كذلك..
وقبلت رأسي..
: شكرا لك..
لا أدري ما الإحساس الذي تملكني حينها.. لكني لم أعلم أن لأختي قلبا رقيقا فحين يقال أن التوأمين يتخاطران أجدني وسمية عدنا لبعضنا حين شعرنا بافتقاد ذواتنا.. في ذات اللحظة..
***
دخلتُ عيادتي فوجدتها فيها.. رحبتُ بها بحرارة.. فجلسَت تحادثني حتى طُرق الباب.. فقالت..
: تفضل..
فابتسمت.. لكن بسمتي تحولت لدهشة حين رأيت سمية تقف عند الباب حاملة طبقا..
: بإمكاني الدخول؟
تمتمتُ..
: تفضلي سمية..
وحينما قلت سمية نهضت السيدة فيروز مرحبة بحفاوة..
: مرحبا يا ابنتي.. أخيرا رأيت سمية شقيقة طبيبي الحاذق
فتبسمتُ وتبسمت سمية ووضعت الطبق على مكتبي..
: أعددت لكم فطائر الكاكاو.. آمل أن تعجبكم..
وتناولنا فطائرها التي لم تكن أقل جودة من فطائر السيدة فيروز..
همست السيدة فيروز..
: صححت نظرك يزن؟
فضحكت والتفتت إلى شقيقتي.. وقلت
: مما جعلها تعد لنا الفطائر..
: انتهت مهمتي إذا..
: ماذا؟
وأردفَت..
: كلانا صحح النظر.. بوركت يابني
: وبوركتِ يا خالة..
قبلت رأسها.. وراقبت خطواتها تختفي من ناظريّ مغادِرة.. فانسابت دمعة من عيني..
لكن توأمي مسحتها حين عادت إليّ !