السبت، 18 مايو 2013

كـ فرد لم يجب أن أقرأ ؟ (أ)

  • سؤال العنوان أعلاه لا يسأله من يتمتع بالـقراءة ويجد فيها اللذة والنّفس، والمتنفس. إنما أخاطب الذين يريدون ولا يستطيعون. أو أنهم لا يريدون !

لا تترك عقلك جائعا !

الناس في موضوع القراءة ينقسمون ثلاثة أقسام:

الذي يريد وويستطيع ويتمتع. -وهذا المستثنى من قراءة الكلمات أو حبذا يقرؤها لينقلها إلى أحد معارفه من القسمين أدناه-- الذي يريد ولا يستطيع ، ,قد يكون كسولًا.
- الذي لا يريد ، أو غير مقتنع.


يا أيها المنضوي تحت أي من القسمين الأخيرين
بالله اقرأ

لماذا؟

لأننا نحتاجك في الأمة لو سمحت.. أو لعلّي تعجلت، فقبل أن نحتاجك نحنُ، احتاجتك نفسك كثيرا ولم تأبه..

أولا تحتاجك نفسك يا صديقي.. في دينك ومعرفتك بنفسك ودنياك.

دينُك هو دينك أيًّا كنت،

اقرأ في دينك واعرف طوائفه، اختر الذي تنتمي إليه،  في الدين خصوصا في كل شيء لا تكن إمعة، إن قال الناس هذا حلال قلت نعم، وإن حرموه وافقتهم، تعلم وابدأ بكتابك المقدس ثم انطلق منه إلى الكتب الأخرى، لأنك إن بدأت به ستتحرك فطرتك فتستطيع بنظرة سريعة في سطور كتاب اكتشاف قبحه أو حسنه أو فائدته، اقرأ في الدين ليهذب الدينُ قراءتك، لتعلم عن الكلمة العارية فتتجنبها، وتلتزم المفيدة المسلية ذات الهدف.
اقرأ في الدين من مصدر الدين. الشارِع للدين وكذا العلماء الثقات. ولا تقرأ آراء الناس في الدين -خاصة من لا يُعرف منه فقهٌ أو علم- لأنك بذلك تعود إلى نقطة الجهل الأولى (التبعية).

اقرأ لنفسك لأن نفسك محدد عمرها بمرة واحدة، اقرأ لأنك لا تستطيع إعادة عُمرك مجددا لـتقرأ الذي تحتاج.
اقرأ لتتثقف.

لم تتثقف؟

لتقوى الحجة، وتستطيع الدفاع عن آراءك، لتحترم فيك شيئا كعلمكَ مثلا، اقرأ لأن الله لم يخلقنا لنأكل ونشرب وننام ونرعى كالأنعام، اقرأ لأن الله لم يخلق شهواتنا فحسب بل خلق الأفعال المحسوبة التي تهدينا إلى إحدى النجدين.
اقرأ لكي يكون حديثك راقيًا تقتبس فيه من الكتب الينابيع.
اقرأ لتكتب، فقد تصاب بالخرس يوما ما.
اقرأ لتعبر عن نفسك لكل الناس حتى المختلفين في اللغة والديانة والعرق.
اقرأ لـ تعرض آراءك عبر المواقع المختلفة، اقرأ لتُسمَع.
اقرأ لأنك كلما قرأت قرأت وازددت قراءة فصار عقلك متسعًا كحجم الكوكب..
اقرأ لأن تلافيف دماغك لن تنتهي يوما ولن تستطيع يوما استعمال عقلك كله.
اقرأ وكن دوما في وضع استعداد إذا داهمك أجلك فتكون قد تركت شيئا من آثارك يستدل بها عليك
اقرأ لأن القراءة لا تحتاج سنًّا أو صفات معينة
اقرأ نصي هذا واحص كم كلمة (اقرأ) حوى
اقرأ إذا كنت تود تعلم الصبر والحكمة والصمت المفيد، ولا تحرم نفسك من مرحك
اقرأ في الدين والدنيا واقرأ القصة واقرأ المقالة واقرأ نفسك
ألم أقل لك أنك في نهاية الأمر ستعرف نفسك؟!


صديقي العزيز.. اذهب واقرأ كتابًا أو نصفه أو ثلثه، وانصح طائفة من الذين معك واسأل إلهك الإعانة..

فإن قرأت فعد إليّ أخبرك لمَ نحتاجك ! 


الأربعاء، 13 فبراير 2013

مريمُ العذراء !

مريم العذراء

عذراءُ تتأوَّه.. تمسك بطنها والخاصرة..
شعور داخلها بالفرح، ومقابل الفرح ألم شديد، تتسارع نبضات
قلبها.. مع كل نبضة تحس وجعًا..
حتى إذا ما بلغ الوجع أوجه جثت على ركبتيها تئن وتزفر بشدة، زفرة تلي زفرة، بينهما تقول بصوت
خفيض..
: يا
ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيًا
لا أحد في
الجوار..
تضطر لتواجه وحدها عواقبَ ما لم تفعل، إنه اصطفاء الله أن تغدو العذراء بين عشية وضحاها حُبلى !
أصوات أتت
تطمئنها.. لا تدري لمن هي
وفي خضم مخاض عسير تشعر بالنصر، تخاطب نفسها، تدافع
النَّفَس..
: هذا مولود له شأن
وتتبع القول أنة، حتى إذا علت صرخات الوليد غدت الأم لا يعادل سعدها
شيء !
تعافت الكاتبة من آثار المخاض.. عادت تدقق النص بقلب تلك الأم، أطلقت عليه اسما في يومه السابع..
في الثامن خرجت
به.. دارٌ تللو دار، والدور كلها تخلت عن مهمتها.. كأنها لم تُفتتح للنشر..
كُلٌ
يقول..
: يا مريم لقد جئتِ شيئا
فريا..
فتشير
إليه.. ويترجل النص عن الورق يخبر بما فيه..
تلتقي أعين
السامعين.. وفي غمرة الدهشة يقول أحدهم..
: ما كان أبوكِ امرئ سَوء
تكسر صيامها مريمُ
وتقول.. سوء؟
فيومئون
نعم..
فتقول هي كلمة حرة أرادت الخروج، نص وليد تحملت مريمُ مخاضه حتى كادت تلقى حتفها أيكون المرء كما عوده
أبوه؟!
أُلقي بمريم في السجن بتهمة ممارسة الرذيلة
وتبريرها.. وصلب الوليد في آخر النهار بصليب صغير، بتهمة أنه عمل غير صالح..!
بين يدي السجان، أحست
وجعا.. تناولت قلما.. وكتبت على جدار السجن.. ها أنذا حبلى مجددا بفكرة ونص !

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

سمير يشعر بالثقة !


~    سمير يشعر بالثقة !


في ذلك اليوم الجميل، وعندما كان "سمير الصغير" يعد ملابسه للتوجه إلى حفل المدرسة، بدا ممتعضا
كثيرا، لدرجة أن والدته توجست من امتعاضه ذلك وسألته..

: سمير ، ما بالك يا صغيري ؟
رد سمير بضجر..
: أمي انظري إليّ في ربطة العنق هذه، لا أريدها، إنها تجعل رأسي كبيرا ومستديرا
فتبسمت الوالدة، وقالت..
: تعال إليّ، بقي على وقت الخروج ساعة سأروي لك فيها قصة..
جلس "سمير" على فخذي والدته، فقالت.. : من هو ملك الغابة يا "سمير"؟
تنهد "سمير" وقال.. : الأسد يا أمي.. هل هذا مهم الآن؟
فقالت الأم... : اسمع يابني
وبدأت تروي.. : يحكى أن الملك الأسد كان كلما زار ابنه الصغير وجده ضجرا، كما تبدو اليوم، فكان كلما سأله عن
سبب ضجره، أجاب..
: هذه السن المكسورة.. إنها سبب تعاستي.. أنا لا أحب شكلي أبدا..
فيقول له والده..
: حميعنا لم نخلق كما نريد تماما..
لكن الشبل الصغير لم يكن يقتنع بهذا الجواب، ويزداد حزنه بسبب نابه المكسور..
وفي مرة أراد الأب أن يضع حلا جذريا لهذه المشكلة..
فطرق باب غرفة ابنه، وأخذه نحو الشرفة وقال..
: أترى هؤلاء الأطفال؟
فقال الابن..
: ما الجديد في ذلك يا أبي؟ كل يوم تلعب الزرافة والفيل والقرد لعبة الاختباء.
فقال الأب..
: صحيح، لكن ألق نظرة على الزرافة.. ألا تلاحظ أن لها رقبة أقصر من المعتاد..
تفاجأ الابن بذلك وقال..
: صحيح.. إنها أول مرة ألاحظ فيها ذلك الأمر
أضاف الأب..
: وكذلك القرد، يملك إصبعا زائدا في كلتي يديه، والفيل نابه الأيسر مفقود..
كل هذه المعلومات جديدة عليك، أنت لم تلاحظ هذا يوما، لأنهم يوما لم يتحدثوا عن عيوبهم
ويعتزلوا الناس بسببها، وظلوا حبيسي حجراتهم مثلك..
ابتسم الشبل متناسيا سنه المكسورة، وعندما هم بالخروج من الغرفة ناداه والده وقال..
: أنا أيضا أملك عيبا صغيرا، وهو أن لي نابا مكسورا مثلك..
وابتسم الأب ليري ابنه الناب المكسور.. فضحك الابن.. وخرج ليلعب مع بقية الصغار..
لم يذكر الشبل للصغار عن نابه المكسور شيئا، ولا هم لاحظوا ذلك !
غدا الشبل واثقا بنفسه يا "سمير"  .. وأنت كذلك يجب أن تثق أن رأسك الكبير المستدير جميل..
قال "سمير".. : ربما يكون الرأس الكبير المستدير كالكرة.. لكنه ربما يبدو جميلا.. نعم إنه جميل..
ضحكت الأم وقالت.. : بالمناسبة، رأسك اتخذ هذا الشكل لأنه يحمل كما كبيرا من المعلومات..
قفز "سمير" من على أمه.. وقال.. : هيا إلى الحفل، إني في أتم استعدادي..
وطيلة الحفل كان سمير يقول للجميع، أنه يملك رأسا كبيرا؛ لأنه يحمل كمية كبيرة من المعلومات..!

بعدها لم يشكُ "سمير" لأمه أية أعراض لهذه الحالة !

                                                                                             الثلاثاء 24/3/1434هــ

الجمعة، 1 فبراير 2013

حديث الاستقلال (1)



[حديثُ الاستقلالِ]
اليوم نرفع راية استقلالنا ، من الغربة !



Misssoso2010@live.com
esraa.r.alqorashi@facebook.com
@EsraaAlqorashi
http://esraa-alqorashi.blogspot.com/


 

الذكرى السابعة والخمسون لاستقلال السودان.

ذاك حديثٌ ذو شجن !
جرح المغترب وطنه، والوطن أيضا بُرءُ ذاك الجرح..
جرحٌ كهذا يعالج بالطرب، والاستقلالُ عنوان طروب..
أهزوجة جميلة سنوية، نتغنى بها ، ننتشي على وقعها طربا، وتزدهر فينا الأماني..
يتعاظم الحب في صدورنا، فنبلغ يومها من العشقِ أوجه، ومن الانتماء أعلاه، نتحاشى
ذكر الغربة؛ لئلا تُفسدَ وقعَ النشيد ! . تتقلصُ على الخريطة المسافةُ، حتى نظنَّ الوطن
أقرب من الغربة!
نرفع راية الاستقلال كل عام، ومعها نرفع أحلامنا إلى سماوات عالية بعيدة، نكاد نحلق!
نُقَلِّبُ صفحات التاريخ، نذكر منها تواريخ الفرح والأمجاد، ونغض الطرف عن المآسي،
نمتن للأبطال، نترحم عليهم، ونكتب ونغني ونُلهَم..
في يوم الاستقلال من لا يُلهَم؟!

الاستقلالُ ثلاثيُّ الأبعاد !
بُعد النصر نرى فيه صور الأبطال فنغدو "أزهريِّي" الأرواح !
بُعد الولاء نرى فيه العلم ثلاثي الألوان، فتنمو في قلوبنا رمزية كل لون!
وبُعد البراء لا نرى فيه المستعمر، فتستقر في دواخلنا عقائد البعدين !
نفخرُ أن صارت لنا الأرضُ لا ينازعنا فيها أحد.. والنيلُ ملكٌ لنا أضحى، والوطن ملتمُّ الشملِ غير مفرق..
الاستقلالُ حرية النفس، عزتها، شموخها الذي ما عاد بعده حديثا يُفترى..
الاستقلال هدية السماء لأرواحٍ أبية أنفت الهُونَ، ترفعت، فرُفع العلم المستقل تطبيقا لسنن العدل، لأرواح من ذهبوا يصبون إلى الاستقلال..
الاستقلال أن ترى الراياتٍ منتصبة تحاكي انتصاب الانتماء في قلبك.. فتحن لذلك الوطن، حين تميل عنه.. ولو قليلا !
الاستقلال عقيدة الوطنية، وأول نصوص دستورها.. فلا مكان للوطنية في قلب جبان، ولا عميل.
الاستقلال هو العمل وفي قلوبنا الوطن، بروح الوطن، من أجل الوطن.. !
ومن أجل الوطن، لا شيء غالٍ.. لا شيء غالٍ..
اليوم نرفع راية استقلالنا، وفي قلوبنا تبقى مرفوعة، مذ رفعها إسماعيل الأزهري في وجه المستعمر اللدود..
اليوم نرفعها وحتى اللانهاية، تبقى مرفوعةً أبدا، ما دام الاستقلال عقيدة السوداني في كل قطر من المعمورة، داخل الوطن أو خارجه..
الاستقلال أن تحن إلى الوطن، وتجدد الولاء كل عيد..
وحده المغترب يحمل وطنه في قلبه، فيغدو الوطن مواطنا في قلب ابنه.. هي رابطة أصيلة، ثابتة الجذور، لا تقوى رياح الغربة أن تهزها.. !
وفي الاستقلال تُجَدَّدُ تلك الرابطة..
اليوم نرفع راية استقلالنا، نحاول إعادتها إلى ذات الأصول، ذات العقائد الراسخة، فحتى إن تلاعبت بنا المتغيرات، تظل العقائدُ ثوابتَ، علينا أن نتعلمها، ونلقنها قلوب الأجيال اللاحقة.. لئلا يخبو نضال الأجداد، كلما تقدم الزمن.
****
فيا إخوتي..
غَــــنُّوا لَنَا اليَومَ نَرْفَعُ رَايةَ اِسْتِقْلَالِنَا !

الأحد، 23 ديسمبر 2012

وقد غـــــــــــــــدت تلك العادة !


وقد غدت تلك العادة!
القصة الفائزة بالمركز الأول لجائزة غادة للكتاب الشباب، 22/12/2012م
أعود وعلى تأنٍ أفتح الباب..              
وعلى عجل يدخلُ أذنيّ صوت غطيط تعفن في ذلك الفراش.. ألج المنزل بعد منتصف الليل فأراها كل يوم تتقزم.. وتتآكل ملامحها بين تجاعيد المرض.. هي ليست في عمر التجاعيد.. لكنه داء لا يطيق جيبي له دواء..
كل يوم حين عودتي أرى ذاك المشهد.. وأحسب أني إن لم أره بعينيّ يوما عند هذه الساعة، تراه الذاكرة لفرط اعتيادها عليه.. وكأنها وأنا هنا منذ الأزل بينما أنا في حقيقة الأمر لا أجاوز السادسة عشر..
على خطو هادئ أمر وأغلق خلفي الباب أواري غطيطها عن أسماع المارة مع علمي أنهم كفوا عن المرور لئلا يعييهم النظر.. والسمع!
لكنها العادةُ إغلاقُه..
أجاوزها إلى فراشي وأشعل ضوءا شحيح العطاء فوقه، لكيلا يصلها الضوء فيعييها النظر، ولو أشعلته فوقها مباشرة لما انتبهت لضوئه..
لكنها العادة..
أشرع بالتجوال بين الكتب جميعها في نظرة سريعة كيلا تختفي المعلومات يوم أقف مُطالبا بالإجابة عن ظاهرة فتفسيرها، أو معادلة وحلها صباح الغد.. وألتفت إليها.. كل ليلة منذ الأزل..
أرى طيفا أظنه لي يحاول كتم أنفاسها ودس الغطيط متحاشيا ذكر نية القتل مُعلِّلا بنية إراحتها من عناء الحياة، وما حياتها إلا شهيق شاق فزفير أشق..!
وبعد كل طيف أستعيذ بالله وأضطجع إلى جانبي الأيمن أتلو بضع آيات هن ملاذي بعد تلك النوايا.. ودعوات راجيات شفاءها أرددهن، أما الدموع فاعتادت الجريان ما إن يلامس خدي الوسادة..
أهز نفسي ببطء كأني أتوسل الأيام إعادتي إلى المهد صبيا يسليه الهز فينام لا يحمل من الدنيا هما..
أو لعلي أهز نفسي ببطء لكيلا يئن سريري شاكيا سنه وثقلا ازداد يوما تلو يوم بعدد أيام عمري، أو منذ الأزل..!
وتمتد يدي لتفتح دفة النافذة ليعبر الهواء ويعبر صوت ساعة أو منادٍ يوقظني قبيل ضوء الشمس فأدرك أنه الصبح قد طلع بعد رجاء الله أن ييسر لي من يوقظني، فيعبر صوت يوما.. وتعبر يدُ جاري يوما تهزني لأستيقظ، ويثقل نومي يوما فلا تعبر يد، ولا يعبر صوت..!
وإذ يعبر أي منهما.. أستيقظ.. وبعد الصلاة.. أهرع إلى أغراضي أرتبها.. وما الأغراض إلا قلم وبضع كتيبات منزلتهن دون الترتيب..
لكنها العادة..
وأعمد إلى فردة جوربي الوحيدة فأرتديها، ويمر مصرع أختها على ذهني.. فأتألم.. رغم أني كنت وقتها صغيرا وأبى مفتاح الضوء أن يغلق فغطيته بها كي أستطيع النوم.. ونمت يومها، واحترقت، وبقيت أختها تكافح معي يوما بعد يوم حتى اللحظة.. ولو كانت مع أختها لكافحتا جنبا لجنب..!
وأحشو فردتَيْ حذائي الضخم بشيء من قطن فلا تفلت قدميّ خارجا، ويمر بي يومَ وجدتهما على ضفة النيل.. فخِطتهما وهذبتهما وتصادقنا حتى اللحظة..!
أسير في تعدد للخطا.. تارة أسرع، وأخرى أبطئ.. وثالثة أهرول حتى أصل إلى موقف الحافلات لأتعلق بظهر حافلة تقلني إلى محطة أسير بعدها ذات المسافة لأصل إلى المدرسة..
الحاجة أم الاختراع كما يقولون، وكما أقول هي أم الكفاف وأم كل شيء.. وربما هي أم الدنيا.. وأم حينا المتربع دون خجل مذ ولدتُ لا أعرف له اسما ويطلقون عليه إلا ساكنوه.. "العشوائية"..
أضرب بكفي ناصيتي الخاطئة وأنا معلق بسلم حافلة لما مررت بصورة كبيرة لرئيسي توبيخا لنفسي كما جرت العادة أن يفعل الشعب أمام الرئيس وإن كان صورة!
فأنى لها أن تذكر الحاجةَ ما أدراها بها؟ وهي التي لم يكن خط الفقر فوقها يوما!!،
فينزلق على أثر الضربة أحد الكتب واضعا إياي بين خيارين أختار منهما القفز لأستعيده وأسير ما تبقى من الطريق على الأقدام..
وأعود أنظر إلى الصورة على الأقدام تعبرني لفحة برد فتصطك أسناني وأعزم النظر إلى كل شيء إلاها لئلا أذكر الحاجة فأضطر إلى إكمال طريقي راجلا في عقاب على ذكرها..!
تمر حافلة ثانية جانبي فأهم برفع بنطالي لألحق بها لكني أذكر جوربي الوحيد فأرفع البنطال عن القدم ذات الجورب وأبقي الأخرى مستترة.. وأفلح في التعلق بحافلة أخرى أنزل من عليها قبل المحطة فلا يطالبني صاحبها بدفع أجر مهما بلغ زهده..
وكذا أفعل منذ الأزل..
أعود، وعلى تأن أفتح الباب..
وعلى عجل أدرك أن الصوت لا يصل فهل صمت آذاني أم.........أصمت وأنا أخشى الاقتراب منها لأعلم يقينا أين الصوت.. وأضع أذني على صدرها فتسري برودته في جسدي.. لأعلم أن قد غادر الصوت تاركا إياي في بغض لكل صوت إلاه، في بغض للحاجة أبديّ..
وأخرج لأعلن في "العشوائية" وفاة أمي بُعَيد انتصاف الليل، قبيل أن أخبرها بأن سنتي الأخيرة في المدرسة انتهت وقد عدت لا يشغلني عنها شاغل..
أتجه إلى النيل وأغفو هناك..
وقد غدت تلك العادة..
**

أركض رافعا البنطال عن قدميّ كليهما.. لألحق بالحافلة وأركبها لأولى المرات فأتعرف على مقاعدها ويعلم السائق أخيرا أن لي جيبا صرت أفخر بما فيه وإن كان زهيدا.. ما دامت الحافلة تقلني كل يوم إلى حيث أعمل..
وقد غدت تلك العادة..
**

أسير وعلى تأن ألج سيارتي آمر السائق بالسير..
ولما أصل إلى حيث وجهتي أفتح باب السيارة فتلوح لي لافتة ضخمة..
"مستشفى السيدة فاطمة لعلاج أمراض القلب".. ويمر بي يوم قتلت الحاجة السيدة فاطمة فحرضتني على بغضها والعزم على الربح نهاية المطاف..
أدخل فيحييني موظف الاستقبال..
أهلا بسعادة المدير.. فأوقن أني ربحت قاهرا الحاجة..
وقد غدت تلك العادة..

الأحد، 18 نوفمبر 2012

يحكى !

يحكى !
في يوم السبت الثامن عشر من الشهر الأخير في عام 33 هــ وهو اليوم الذي دام فيه الإلهام أطول وقت ممكن عند السابعة وخمسين دقيقة مساء !

-----------------------
فتح الباب فانتفضت ونظرت إليه
لكنه ابتسم وعاد من حيث أتى
لبث دقائق حتى طرق الباب ثانية ودخل..
جلس إلى جوارها.. فتركت جهازها وولجت حضنه وبكت !
ربت على شعرها لدقائق.. ثم ذهب وأحضر المشط وجلس يسرحه.. قدر ما استطاع !
يمنة ويسرة قلّبه ووضع الشرائط
ولما ظن أنه انتهى ناولها المرآة..
نظرت إلى نفسها.. شعرها اتخذ ثلاثة أقسام في الأمام وواحدا في الخلف..
من اليمين شريطة بيضاء فحمراء فزرقاء!
وفي الخلف شريطة عريضة صفراء !
انحدرت دموعها أولا ثم ما لبثت أن تبسمت ابتسامة خفيفة !
فتبسم ، وأردف على البسمة ضحكة مداعِبة.. وقال..
: تبسمت الموناليزا..
فضحكت.. فاتسعت ضحكته فاتسعت ضحكتها وولجت حضنه لثوان فأرقدها وقال..
: فلتنم موناليزتي ولتصحو غدا بخير !
زربت على شعرها حتى أغمضت عينيها.. مد يده إلى الجهاز وقرأ..
يحكى أن لي أما توفيت !
وخرج..
****
فتح الباب فانتفضت.. وتبسمت تنظر إليه..
تقدم حتى جلس جوارها..
: صباح الخير موناليزتي..
: صباح الخير حبيبي.. هناك شيء لك !
ومدت يدها وناولته الجهاز فقرأ..
صباح جميل يحكى فيه أن لي أما توفيت وأبا جعلني أبتسم
وولجت حضنه ثالثة !

لله در أبي القاسم !

السبت 18/12/1433هــ
5:20am
نحن قوم من فرط حبنا لـ أبي القاسم الشابي
صحا آباؤنا في القدم منشدين "أقبل الصبح جميلا يملأ الأفق شذاه"
ونصحو نحن ننشد "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"

لله در أبي القاسم ! عرف كيف يخلد ذكره 

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

قصة الريالين !

قصة الريالين ! Y

نظر إليها وتبسم..!
يد تداعب الشعر والأخرى تداعب "الصينية" الموضوعة على الطاولة..!
وتدفق صوته باسمها: "لميس"
كان له في كل حرف من اسمها نغمة..
التفتت بكلها: نعم سيدو
فاتسعت بسمته: سيبي عنك "الصينية" وقومي.. أبا منك شغلة..
وضعت يدها على ثغرها وضحكت.. ووضعت "الصينية" ونهضت إليه..
قبلت رأسه وقالت: والله لو سمعك ستيف جوبز كان مات!
فقال.. سيبيك دحين منو.. فول بريال، وتميس بريال!
فتبسمت.. حاضر سيدو
وغابت دقائق ثم عادت بطلبه فسلمها ريالين اثنين..!
مدت يدها لتغلق "حاسبها اللوحي" وجاءت تجالسه ليروي لها قصة الريالين !

(جدة القديمة تروي الحكاية.. وشاب قويّ يصرخ باكرا "فتاح ياعليم رزاق ياكريم" فيصجو الديك لفرط بكوره، يفتح باب دكانه على وقعها ويلجه، فتلفحه حرارة التنور.. وقدر "ألفول" يغدو بين يديه رواية رصينة توافقت فيها نكهة غنية مع صانع محترف، فغدت لا يخلو منها كل صباح !

جدة القديمة تروي.. تنظر من على علو إلى الشاب القوي! يطرق بابا فيفتح له وتعلو الزغاريد.. "صلاح اتزوج دُرية" وتزغرد جدة على طريقتها.. ما أجملها تبرق فترعد فتمطر" !

صبية عروب توقظ الشاب، فيستعدان للخروج.. يصرخ الشاب باكرا "فتاح ياعليم رزاق ياكريم" ويلجان الدكان، تشاركه من الخلف عمله، تراقب التنور.. ويكبر الدكان وتشهد جدة القديمة..
وتروي..
بكاء الصبية وتألمها.. وخشية الشاب في الخارج وخوفه.. رجاءه أن تظل بخير.. وصوت يعلو باكيا.. آذنا بالفرح فوق رجائه، وبكاؤها غدا تنهيدة عميقة وضحكة واسعة..!
وتخرج الداية ويلج الشاب، يقبل حبيبته والطفل.. ويحمد الربّ أن رزقا بمولود..!

وجدة القديمة تروي تنظر من علو إلى الرجل يشري دكانا في ناصية شارع جديد.. حتى غدت نواصي الشوارع عند البكور غاصة بمرتادي الفوال.. ونداءات صبيانه "فول بريال، تميس بريال" وهاهي جدة تزف إليه البشائر تلو البشائر.. صبايا وفتية، والعروب يزداد حسنها وبهاؤها.. والرجل يبلغ أشده .. يرجو من الله طول العمر والبركة فيه..!

وجدة تروي حين أوسدها التراب وقد أخذ عهدا ألا يعشق بعدها.. كبر الصغار وتحلقوا حوله يتابعون ما بدأه "قصة الريالين" التي بناهم منها حتى بلغوا أشدهم..

جدة تتسع بمرور السنين.. ومن علو تروي.. الشاب اليوم يستند عكازة.. أمام غرفة كبيرة البوابة.. يرجو لها أن تظل بخير وتخرج الممرضة حاملة إليه البشرى من ابنته..
: "
بنت"..!
يطرب الجد لحفيدته الأولى.. يقبل ابنته ويحملها بين ذراعيه.. يختار لها "لميس" عنوانا طروبا.. يحمل أربع نغمات بصوته الرخيم!
وتكبر الصغيرة تتابع قصة الفوال جدها.. عبر "الصينية" كما أطلق عليه الجد لما رآه مسطحا شبيها بها..!
في كل مرة تبشره..
:
سيدو جاك فولو على أكاونت المحل!
فيصحح لها: الدكان يا "لميس"
فتتبسم..

جدة تروي تتمة القصة..
الجد هناك يناديها بصوته الرخيم.. "لميس" ،ويناولها مبلغا مقدرا.. فتعجب..
وتتساءل عن الغرض فيجيبها..
:
الظاهر أحد سرّب لستيف جوبز انو أقول ع "الآيباد" صينية فمات!
وأتبعها بضحكة..!

ففي اليوم الذي توفي فيه صانع "الصينية" عقد الجد صُلحا مع "الصينية" وفاءً له! ليكمل عبرها قصة "الريالين"، قصة بطلها الفول، تكلفتها ريالين، وشاهدتاها.. "جدة" و"لميس" ،، معشوقتاه !

-تمت-
الجمعة 18/12/1433هــ
8:41 p.m