الاثنين، 23 يناير 2012

صرة السودانيين


|قصة قصيرة
صَرَّة السودانيين !
توضيح/(الصَرَّة) بفتح الصاد والراء مع التشديد تعني (الكشرة) أو العبوس







لما كانت الابتسامة عند عامة الشعب السوداني مرتبطة بالدخل والعمل والبنية التحتية كان لزاما على تلك (الصَرَّة) أن تكون علامة للإنسان السوداني الكادح..
**
كدت أقوم من الكرسي عندما استوقفني مشهد من قريتي..
عدت للجلوس لأشاهد أحد التجار في (كَلِي) يحكي عن أخبار القرية وكيف أن أبناءها قد رحلوا منها نظرا لأن موارد الحياة لم تعد تواكب العصر الحديث..
بينما كانت أمي تعدد أقاربها الذين رأتهم على الشاشة كنت أتأمل بعمق في ملامح ذلك التاجر الشاكي.. فلاحظت (صَرَّة) واضحة تعلو ملامحه الطيبة..
انتقلت إلى قناة أخرى فما كان من تلك (الصَرَّةِ) إلا أن انتقلت معي إلى القناة التي انتقلت إليها.. رأيت وجوها أخرى تشكو من مشكلة أخرى.. لم أدقق كثيرا في المشكلة وانتقلت إلى قناة أخرى لكنني رأيت (بسمة) جميلة على وجه مزارع نشيط.. شجعتني على أن أستمع إلى ذلك التقرير.. رفعت صوت التلفاز وبقيت أسمع..
كان يحكي عن أخبار قريته لكن بسمته تقلصت شيئا فشيئا عندما قال
: يا ولدي القرية ما بقت زي زمان .. والزراعة ما بقت تجيب .. البلد دايرة رجال
وتقلصت بسمتي أيضا..
بقي آخر القنوات السودانية في تلفازنا.. فتحتها.. قالت المذيعة: سنتحدث اليوم عن أهم هموم المغتربين
وعندما قالت (المغتربين) عدلت جلستي.. وركزت لأفهم عم تتحدث الحلقة
لن أخوض في التفاصيل فكما هي عادة رجل الدولة يخوض في أُطر الأحداث ولا يتعمق في الداخل فيبدأ حديثه بـ(أفتكر إنو) وينهيه بأمنيات عاجزة ورجوات مخادعة ويعلق المشاهد السوداني على كلامه كما علقت قائلة: (قديمة يا راجل حفظناهو الكلام دا) .. ورغم أن هذا المستضاف كان يتحدث عن التعليم أو الشهادة الثانوية للمغتربين.. إلا أن كلامه كان مفتقرا لأبسط أساسيات التعليم..!
لم يشف أي من حديث المستضاف أو المذيعة غليلي كمغتربة ستعاني مستقبلا من مشاكل في التعليم إذا لم يقم أي من هذا الرجل ومن هم على شاكلته بأية خطوات إيجابية خاصة أنني في دولة لا تقبل شهادة تعليمها الثانوي إلا بعد اختزال النسبة إلى رقم (ما بجيب لقمة) كما يقولون.. يكفي أنني رأيت استطلاعا عقيم تحدثوا فيه إلى رأي الشارع المغترب ولم يخرجوا بنصف حل..! فارتسمت (الصَرَّةُ) على وجهي أنا الأخرى..
وعندما جمعت صور تلك الكشرات التي علت الوجوه بدءا بذلك التاجر الذي يفترض به أن يكون غنيا وانتهاء بي وأنا التي يفترض بها أن تكون مغتربة مرفهة تشكلت خريطة السودان الشمالي البائس في مخيلتي.. فذهبت لأنام علي أحلم حلما جميلا ينقلني بعيدا عن الواقع..
**
المؤسف أن تلك (الصَرَّة) البغيضة لن تزول من وجه ذلك التاجر وتلك الوجوه بما فيها المزارع النشيط والمغترب الجامعي وغيرهم إلا إذا ما تخلى أصحاب الأقنعة عن أقنعتهم وتخلى الرئيس الراقص عن رقصه والتفت لشعبه "الصَّارِّ وشو" على الدوام.. !
**
ورغم حياة عكست وجهها العبوس على الشعب الكادح إلا أن تفاصيلا صغيرة تضفي بسمات ذات مفعول متجدد على أولئك الذين يستيقظون من نومهم على رائحة شاي الصباح.. ودعوة من جدة حنون.. ويحافظون على بسماتهم بـ(لمة العيلة) في البيت الكبير.. وصباح العيد الجميل وزغرودة عرس في (الحِلَّة).. !

| بين وطن ووطن

أسير نحو الحافلة على عجل ..
وبسرعة أزاحم من حولي وأدخل لأحجز مقعدا ..
الغريب أن الحافلة لم تكن مزدحمة بالركاب ..
لكن ما دفعني للعجلة هو قلب مزدحم بالأشواق .. !
تقلني الحافلة إلى الطائرة ..
أسحب حقيبتي على الدرج محدثة صوتا مزعجا ..
لا أبالي بمن حولي .. المهم أن أركب سريعا
وأطيييييير إلى الوطن ..
***
أسحب حقيبتي على درج الطائرة محدثة صوتا مزعجا ..
وأبتسم .. لأن ذات المشهد تكرر
لكن المختلف أن ذاك مشهد ذهاب إلى الوطن
وهذا مشهد إياب إلى الوطن .. !
لكن كلا المشهدين اتفقا أن الأشواق موزعة في قلبي المغترب ..
بين وطن .. ووطن ..!

برطمانة حبنا




المدرسة.. عالم فريد..يحمل الكثير الكثير من المشاعر الجمييييلة.. والقواسم المشتركة بين الأصدقاء.. وبعض المشاغبات التي تضفي عليه قالبا مرحا ومسليا رغم كل ما يحدث أحيانا من حوادث "مالها داعي".. !
( بَـرْطَمَانَة حُبِّـنَا ).. بهذا الهجاء..
فكرة ولدت بعد عودة إحدى أفراد الشلة من رحلتها الأخيرة إلى بلادها في عطلة نهاية العام.. وأصبحت مشاعر جميلة تربط أفراد الشلة "الستة" بذكرياتهم القديمة منذ نشأة تلك الـ(برطمانة)!
المكان/ ثانوية التقوى الأهلية -جدة-المملكة العربية السعودية
الزمان/ 1432-1433/2011-2012
***

كف عن الحديث عني يا هذا ودعني أروي لهم القصة..
يوم عادي يمر عليَّ ككل يوم في هذا الدولاب.. كنت قد استسلمت للنوم عندما فتح الدولاب.. طار النوم من عينيّ فور أن تسللت إضاءة المطبخ الساطعة إليهما.. ترى ماذا تريد هذه الشقية؟
امتدت يدها لأجدها تمسك بي وتضعني على الطاولة.. فيحكم علي بالسهر هذه الليلة !!
أصرخ بأعلى صوتي عندما تصب عليّ هذه الفتاة الماء.. مؤكد لم تسمع صراخي فهي تفركني وتشدو بإحدى أغانيها الكلاسيكية.. المهم أن ليلتي أصبحت في عداد الأموات..
وعندما صرخت :ماما وينا السمسمية؟ علمت أن كرشي الكبيرة ستمتلئ بها اليوم فأصاب بالتخمة ..!
دق منبه الأم.. أيقظت أبناءها وبدؤوا بالاستعداد للذهاب إلى المدرسة.. خرجت الفتاة ولم تأخذني فصرخت: مرحى ! .. لكنها عادت لأخذي بعدما سمعتني إذ لم تكن وقتها تشدو بإحدى أغانيها !
***
أفقت في الحصة الثالثة عندما فتحت الفتاة كرشي وأخرجت منه بعضا من سمسمية جدتها لصديقاتها العزيزات.. عجبا ألا ينتظرن الفسحة؟! لا بد أنهن ينتظرن بفارغ الصبر تناول الحلوى السودانية الأصيلة..! وأنا الضحية !
***
في نهاية الدوام.. تصر الفتاة إلا أن تأخذني صديقتها إلى بيتها للاحتفاظ بما بقي من الحلوى.. أركب السيارة مع المدعوة (رهف).. أستغرب لكون بيتها بعيدا جدا عن المدرسة لكنني أستسلم لنوم عميق فالمكان هادئ نسبيا هنا ..
أصحو هذه المرة لأن كرشي الكبير فتح مرة أخرى.. أخرجت السمسمية وأدخلت الشوكولا .. أوووف ألا يفرغونني ولو لدقائق؟! أمضيت تلك الليلة في هدوء تام عدا أن الجو كان باردا جدا في الثلاجة التي وضعت فيها..
***
امتدت أياد كثيرة إليّ يومها لتذوق تلك الشوكولا والتي أرهقتني جدا.. نظرا لأنها ملأى بالسكريات !!
عدت إلى الوطن أخيرا.. إلى منزل الفتاة الشقية وخلت أنني سأعود إلى حيث مسكني الأصلي "الدولاب" لكن حظي العاثر قال كلمته..
عندما حل المساء كانت الفتاة قد انتهت من واجباتها المدرسية وفرغت من أعمالها وبدأت الأفكار تلعب برأسها.. وكان في مجمل تلك الأفكار فكرة تخصني ..
وضعتني على سريرها فخلت أنها تريحني بعد يوم متعب.. لكنها أحضرت ورقا ملونا وأقلاما وضعتها إلى جانبي وبدأت تقص وتلصق الأوراق عليّ وتزينها بأقلامها الملونة ووضعت على رأسي لافتة تفيد بأنني "برطمانة حبهم" فعلمت حينها أنها إحدى الخطط التي خطرت ببالها يوم أمس عندما كانت شاردة في الحصة..
وفي الصباح دق منبه الأم.. فالتزمت الصمت أملا في أن تنسى الفتاة أمري.. رأيتها تهرول نحو الباب.. لابد أنها متأخرة.. والجميل أنها نسيتني تماما..
خرج الجميع من المنزل.. مرت دقائق قليلة على خروجهم لكن الباب عاد ليفتح.. ويلوح لي وجهها..
فأستعيذ بالله.. ألم تكن هذه الفتاة ناسية لأمري قبل قليل.. حظي عاثر وذاكرتها حديدية !
كتب عليّ الذهاب إذا لمدرستها مجددا.. أخرجوني من الكيس ووضعوني في رف نافذة فصلهم المشمسة فنالني الحر وتعرقت لكني ما لبثت أن تعودت على هذا الجو..
***
استأت كثيرا في البداية من أيديهن التي تتسلل لتضع الأوراق داخلي بناء على فكرة صاحبتي الشقية لكنني أخيرا اقتنعت بأني أؤدي خدمة في هذا الحياة المملة وتكيفت مع وضعي الجديد بكوني "برطمانة حبهم" التي يستعيضون بها عن دفاتر اليوميات..
أحببت وظيفتي الجديدة.. وصنعت صداقات مع كتب الطالبات وعباءاتهن التي يضعنها على رف النافذة والخالة التي كلما جاءت لتنظف فصلهن القذر آخر النهار رأتني واستعجبت لكوني ملأى بالأوراق..!
***
افتقدت تلك الأيادي التي تفتحني كل يوم.. زادت المدة الزمنية بين كل ورقة وورقة نظرا لأنهن مشغولات كثيرا هذه الأيام لقرب انتهاء الفصل الدراسي الأول وعليهن العمل بجد لإحراز درجات عالية..
أعترف أني غيرت موقفي تماما من صاحبتي وصديقاتها أفراد شلة "الطقاقات" وبدأت أشعر بالحنين لأوراقهن التي يغلقنها بإحكام كي لا يراها أحد حتى إشعار آخر..
تفتح النافذة وتغلق.. وتفتح وتغلق حتى تنصرف الطالبات المشاكسات واللاتي كدن أن يوقعنني من على ارتفاع شاهق فيقضى عليّ.. وأظل كل ليلة وحيدة أمضي وقتي بالنوم والنظر من النافذة..
***
يوم عادي يمر عليَّ ككل يوم قرب هذه النافذة.. كنت قد استسلمت للنوم عندما أبعدت الستارة عن النافذة..
امتدت يدها لأجدها تمسك بي وتحشرني داخل حقيبتها وتركض خارج الفصل.. ربما لم تسمع صرخاتي المختنقة.. لكنها أفرجت عني في منزلها والذي لا يبعد كثيرا عن المدرسة..
حزنت لأنني سجنت في دولاب ملابس صاحبتي ولم أعد أرى تلك الوجوه التي عهدتها لكنني ربما سأعود إلى تلك النافذة التي جمعتني بها قصة حب جميلة بين طالبات 1/2ث
أسبوعان يمران عليّ في هذا الدولاب البغيض الذي لا يفتح إلا لإخراج الملابس والنظر في جدول الاختبارات الذي علق عليه أما أنا فلا أحد يلقي عليّ التحية نظرا لكوني مهملة هذه الأيام بسبب انشغال البنات باختباراتهم النهائية للفصل الدراسي الأول..
***
عادت صاحبتي (سرو) من المدرسة هذا اليوم فرحة.. ألقت بحقيبتها مذ أن وضعت قدمها في البيت وألقت بزييها المدرسي بعيدا فابتسمت فرحة لأنها انتهت أخيرا من اختباراتها وهاهي الآن الإجازة قد أقبلت..
وعدت لأرى (إسراء) تعود لحاسبها المحمول وكتابة قصصها ومجتمعها الكبير على (فيس بوك) وكثييير من هواياتها التي انقطعت عنها.. وكأني أرى بقية أفراد الشلة أيضا يبدؤون بالعودة إلى عالمهم الخاص.. تحياتي لكن (رهف- ترتيل- مشاعل- سارة- عهود) وتحياتي لـ(لجين) التي تفتح كل يوم ستائر النافذة فأتمكن أنا وجميع الأغراض قربي من رؤية البنات.. وتحياتي لصاحبتي (إسراء) التي جلست ذات ليلة بجواري بعد أن ملأت كرشي بالأوراق.. واستمعت لما أردت أن أبوح به.. ثم عادت تترجمه في قصة لن تنتهي..
غير أني أختمها الآن فتتمة القصة في داخلي وداخل قلوبهم.. ولنا لقاء في أول أيام الفصل الثاني كي نعثر على التتمة مع أفراد الشلة.. !
وداعا ..... !
***
ويبقى ما في داخل "برطمانة حبنا" سرا في قلوب الستة حتى وإن باحت "البرطمانة" ببعض السر في هذه القصة.....،، 29/2/1433هـ