الجمعة، 2 ديسمبر 2011

هَاكَهَا.. بِرِضًا مِنِّي..!



هَاكَهَا.. بِرِضًا مِنِّي..!
جئنا من مدينتنا إليها لنشهد حدثا مهما جدا..
" جدتي بلغت الواحد والسبعين"
ركضت إلى حضنها المتفرد ذو الخمس نجوم والذي ظل سنين طويلة يحتويني!
: سنة حلوة يا جدتي..
: سنة حلوة وأنت في حضني.. حبيب
***
يتفرق الجميع وأبقى للمبيت معها..
تأخذني في نهاية اليوم إلى غرفتها لنطالع سويا ذكرياتها القديمة والحافلة كـ(شاعرة مرموقة)..
: جدتي.. لك ذكريات حافلة..
: صحيح
: لكن قصائدك لم تستمر..
: استمرت لكنها لم تخرج إلى الساحة
: غريب
: كي أعطي المواهب الشابة فرصة
: غريب أيضا
: ألا تريد أيها الشاب فرصة؟
: بلى
: لابد إذا أن ينسحب الكهل ليلمع الشاب
: لا زلت شابة جدتي
: هههههههه أضحكتني يا بني.. لا زلت شابة ها؟ ربما تكون الروح شابة لكن الجسد هرم.. ولابد أن ينسحب الكهل ليلمع الشاب
: لا تثير مواهب الشباب اهتمامكم
: ليست سوى الغيرة مما حصلتم عليه.. استأنا منكم قليلا
: إن كنتم استأتم منا فلماذا تعطوننا فرصة؟
: إن كان القمر قد استاء من وجود أضواء المصابيح فهذا لا يعني أنه تجاهلها وكذا نحن لم نتجاهلكم.. بني إن كنتم ستأخذون الفرصة فلتأخذوها برضا منا كي تظلوا تذكروننا بخير غير أنكم لو أخذتموها اقتلاعا لسؤنا في أعينكم.. فهمت
: فهمت.. سلميني الراية إذا برضا منك
: هاكها.. برضا مني وحافظ عليها جيدا كي تمنحها برضا منك في المستقبل ..!
: سلمت يداك جدتي..
: ويداك صغيري..
***
بعد أيام معها عدت إلى مدينتي حاملا الراية..
برضا منها !! 

أنا منك.. كخروج المهزوم!!


-  هل لي أن أسألك سؤالا؟
-  تفضل دكتور
-  ما الذي جعلها تفقد الوعي؟
يطرق رأسه.. 
**
أستفيق فأراه واضعا رأسه على يدي.. أجذب يدي بقوة فيستيقظ فزعا، وتترقرق دمعتان في عينيه..
- أرجوكِ اسمعيني..
وحالما أرى وجهه أصرخ صرخة هستيرية وأنتفض ويقشعر بدني.. يبدأ بلمسي كي أهدأ فيزداد صراخي، ويبتعد قليلا ثم يقترب ثم يبتعد مرة أخرى..تضطرب خطواته ويبقى مبتعدا عني ينظر إلي بعين كسيرة ويجثو على ركبتيه ويبكي بكاء مريرا.. وأبكي معه!
العودة إلى المنزل كابوس يقض مضجعي فهو بلا شك يضمن عودتي إلى هنا.. !
**
كانت أولى زياراتي إلي المشفى..
اختلاف كبير طرأ عليَّ الآن.. ففي كل مرة يغضب (براء) فيها أعود لأتذكر ما قيل لي حينها..
-  متأكدة من قدرتك على العيش معه؟
- ليس سوى اضطراب نفسي.. ثم إنه يحبني..!
ثم أحضر ما سأفعله يوم غد في المشفى.. أو قد أخرج اليوم.. لا يشكل فارقا كبيرا
وبما أن الفعل يتكرر فالنتائج تتكرر.. صخب وبكاء وآثار على جسدي.. ثم وعود بعدم التكرار..
لكن الفعل يظل.. أو ظل يتكرر.. لأني لم أوقفه منذ البداية..
كنت أبدو بعدها كالموتى.. ظلمتهم بتشبيههم بي.. فهم أحسن حالا مني على الأقل هم لا يشعرون بالألم..
أما أنا فكنت أشعر بآلاااام.. لا أخرج من (منزلي) كي لا يعود يوما ويجده خاليا وينتهي بي الأمر في غرفة بيضاء وسط ثلة من أشخاص ينظرون إليّ بشفقة.. ربما هذا ما دفعهم لعلاجي.. ثم يكرر تلك الكلمة (أحبك) ويكررها ويكررها حتى أشعر بالغثيان وأرتمي في حضنه مثبتة بذلك تناقضي..!
**
أقهقه ضحكا حتى تدمع عيناي..!
حينما أذكر تلك الرقيقة..
لكن لحظة تأخذ دموعي إلى منحى آخر..
فتصبح.. دموع ألم..!
**
الجميع كان يزغرد.. يصفق.. يهنئ.. ونحن نزداد فرحا..
كانت الأضواء تتلألأ.. الأغاني تعلو.. والوجوه تعلوها البسمات.. 
كان أروع أيامي.. نظر إليّ يومها وطبع قبلة على خدي..
-  اتفضلي.. مدام!
ابتسمت وركبت السيارة باتجاه (منزلي)..
شعرت بنشوة تعتريني فقد حققت حلمي في الارتباط بمن اخترت..
ربما هو الحب الذي لم يدعني أشعر بأي شيء آخر..
ألومه كثيرا.. فبسببه أنا اليوم ألملم أجزائي بصعوبة من زوايا (منزلي).. الذي تركته..!
رغم كل استجداءاته ورجاءاته وكل ذلك التكرار لها..
(أحبك).. لم تكن في قصتي كلمة.. بل هي  قدر جعل رجلا مصابا بأقسى أنواع الاضطرابات النفسية يرتبط بي..
وروضني على الصبر في كل مرة..
وأجبرني على تحمل غضبه.. ضربه جسدي الذي لم أعد أراه.. بل أرى فقط آثار صفعاته.. والصمت الذي لا أجد سواه حلا..
وخرجت منك (براء) بلقب (مخلوعة)..
خروجا آلم ما يكون.. فهو  خروج مهزوم.. !



21/12/1432

سأرثي السودَانَين الأسمرَين!
ها أنا أستيقظ في صباح يوم جديد في بلاد المهجر، وكلي شوق إلى أرض الوطن لكن ما حدث بالأمس قلص ذاك الشوق ووسع دائرة البعد..
أذهب إلى مدرستي مثقلة بالأوجاع.. أفكر فيما قد يحدث لوطني بعد ذاك الخطب الجلل، وأفكر أيضا في احتفال يوم الغد بسفارتنا هنا والذي سأقدم فيه أغنية بعنوان [أنا سوداني].. وأفكر في أنني لن أشعر غدا بالحماس بل سأغني بفتور وألم.. سأغني وأنا أشعر بأن جزءا مني تمزق كما تمزق الجنوب.. سأغني وأنا أشعر بأن هذا الوطن بيع بيعة قذرة قبض ثمنها أولئك القادة الذين لم يضعوا حسابا لمشاعر شعب تمزق، وهوة اتسعت..سأغني وأنا أفكر بخريطة بلادي الجديدة، خريطة ستبدو بائسة مقطعة الأجزاء..
يمر يومي ثقيلا على نفسي وأنا أتمنى لو أن أمرا ما يحدث ويمنعني من الذهاب غدا للاحتفال لكن..لا شيء حتى الآن.


يا إلـهي..إنه يوم الخميس.. سأذهب إلى الاحتفال رغما عني فلا يمكنني الغياب عن احتفال كهذا خاصة أن القناة القومية ستصور الحدث.. أصل إلى موقع السفارة متأخرة بعض الشيء لكن لا بأس ففقرتي هي السادسة وهناك وقت كافٍ قبل الفقرة.. توصيني أمي بالثبات وتجاهل الجمهور، والأداء بإخلاص، واستشعار معاني الكلمات لكنني أجد في ذلك صعوبة علي فمشاعري تختلط بين الخوف والألم والرجاء بأن يحدث شيء يمنعني من الصعود إلى المسرح..
مر الوقت سريعا وها أنا أصعد إلى خشبة المسرح والدموع تملأ عينيّ الكسيرتين.. أجذب مكبر الصوت وأصر على أن أبوح بما في داخلي، فأقول: (أيها السادة الحضور لن أغني هذا اليوم بسرور كما اعتدتم وبلادي ممزقة.. لن أغني اليوم أغنية الوحدة وبلادي مشتتة.. سأغني بكل وجع وحرقة..سأغني أيها الجمهور ودموع الأسى تعلو وجهي.. سأغني وسأظل أغني ولكن ليس بذلك الحبور الذي اعتدته..وسأعود إلى بلادي ذات يوم وأرثيه.. سأرثي النيل والطمبور، سأرثي الأبنوسة والنخلة، سأرثي الشمالي والجنوبي..سأرثي السودانَينِ الأسمرين).

25/8/1432

وأبدأ بالغناء باكية:  
(كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتخر..................)
وهاهي الدهشة والإعجاب ترتسم على وجوه جميع من في القاعة، لكنهم جميعا صفقوا لي بحرارة، وهذه أمي تصفق معهم باكية هي الأخرى.. متأثرة بحديثي النابع من قلب مغتربة أوجعتها الفرقة..

قوة الأرض..!
نعود إلى منازلنا المدمرة..
وكأننا نرى الذل.. كأننا نرى القهر والأوجاع..
لكننا نعاود الصمود مجبرين!
نعاود بناء المنازل كما نفعل في كل مرة تدمر فيها المدافع بيوتنا..
نبنيها حجرا حجرا.. بقوة الأرض..
تلك القوة التي نستمدها من رمل {
غزة}..
تلك القوة التي تنمو فينا كلما حملنا (الطوب) لبناء المنازل التي نوقن تماما أنها ستدمر مرة أخرى..
قد لا نكمل البناء لأن الدبابات ستدوس ذلك (الطوب) غير مبالية بقيمته لدينا..
لكننا نعود لنبدأه من جديد فالأمل هو ما يدفعنا لفعل ذلك مرة أخرى..
نضع كتل الطين في قوالب كي تصبح حجارة صلبة فور إخراجها من الفرن..
وكذا نحن..
نصير أصلب كلما عصفت بنا ظروف قاسية..
كلما أرهقتنا مرارة الحياة.. التي تذيب الأمل في داخلنا شيئا فشيئا..
لكننا عندما نلحظ فتور هممنا..
نعود لوضع كتل الطين داخل القوالب التي صدئت من كثرة استعمالها..
ونعود لنستمد قوتنا من قوة أرضنا..
فرغم ما نعانيه إلا أننا صامدون..
إنها ليست قصة أسرة أو حي أو مقاطعة..
إنها قصة شعب بأكمله..
شعب يعاني بصمت، ولسان حاله يقول:
أما آن للنور أن يسطع؟..
أما آن  للفجر أن يبزغ؟..
أما آن لأولئك العرب أن ينهضوا؟!
أما آن للحصار أن ينفك؟!
أم أن قدر {
غزة} أن تتحمل حماقة عرب حادوا عن طريق نهضتهم؟؟!
  " غَزَّاوِي           

هونا ما !!


| هونا ما..!
كعادتي كل مساء أروي له قصصي على كوب من القهوة..
: ما أخبار الصديقة الجديدة؟
: استطاعت عزلي عن صديقات طفولتي.. جذبتني ثقافتها.. كما أنها على قدر من الدين..
: تحفظي على خصوصياتك بنيتي
: لا تخش شيئا لا تعلم عني الكثير
: هونا ما بنيتي.. !
****
يجالسني مساء آخر.. يحين دوري كي أجود بما لدي من مواقف.. يبادرني بسؤال
: كيف هي بنيتي مع صديقتها؟
: بدأت تزعجني قليلا أبي..
: ألم تكونا على وفاق؟
: بلى لكنها تتدخل في خصوصياتي من باب النصيحة..
: تروي.. وحاذري اندفاع مشاعرك
****
يسدل المساء أستاره علينا فأتجه نحوه..
: أبي صفعت هذا اليوم صفعتين.. !
: مالك؟
: جرحتني (الجديدة) فتخلت عني (صديقات طفولتي) !!
: هونا ما..
أطرق رأسي..
: لم أعمل بها !!!