الاثنين، 12 ديسمبر 2011

حينما عدت إليّ


:محمد محمد يا ولد قوم..
:نعم يا أمي.. الله يخليكي خليني أنام..
:يا عبيط قوم.. أحد ينام لين المغرب وبكرة عرسو؟..
:أمري لله يا أمي.. طيب روحي وأنا جاي وراكي..
:يا ولد قووووووووووووووووووووم الله يرجك..
:طيب يا أمي قمت خلاااص..
ونهضت من فراشي وأنا أنظر إلى غرفتي بعمق، أنظر إلى كل زاوية منها وهي التي لطالما كنت  أناجي القمر من نافذتها، وأكتب أجمل أشعاري فيها، ومنها أستمد إلهامي، وفيها كل ذكريات طفولتي، حجرتي الغالية يعز علي فراقك لكنني مجبر..
أرتب أمور العرس في هذا اليوم المزدحم فمن حجز المطعم الذي سيقدم وجبة العشاء، إلى حجز الفرقة والجسيس، فلابد أن يمثل العرس طقوس أهل الحجاز، وها أنا أصل إلى الخياط الذي يجب أن أستلم منه ثيابي، وبينما أنا أنتظر تراودني أفكار عديدة، أفكر فيها.. كيف سيكون شكلها غدا؟ هل سنتفاهم؟ رغم الظروف المحيطة بهذا الزواج إلا أنني متفائل فحدسي يخبرني أننا سنتفاهم، لكني أخشى من أن تكون متعجرفة فمظهرها يدل على أنها فتاة مترفة، لكنها آية في الجمال.. كيف لا وهي اختيار (الوالدة)..
هاتفي يرن.. إنه (عادل) صديق طفولتي وصباي وشبابي، وشيخوختي مستقبلا..
:ألو كيفك (عادل)؟
:كيفي أنا ولا كيف العريس؟ ها إش تسوي؟
:والله قاعد عند الخياط مستني التوب يخلص
:أيت محل بالزبط؟
:عارف الخياط اللي اسمو (الحياكة) عند القرموشي.. قدام بيتنا القديم؟
:آآآ إيوة عرفتو.. شغلو ممتاز على فكرة،، المهم أنا جاي عندك.. خليك عندو ما راح أتأخر.. مسوين حفلة أنا والشباب
:طيب عجل ..سلام
:مع السلامة

أستلم ثوبي وأجلس بانتظار (عادل).. وأفكر في أني لست مستعدا لشيء كهذا في هذا اليوم فأنا مجبر الرضا بقرار الوالدة (خلينا نفرح فيك بعد ما مات أبوك)..
هاهو (عادل) يمر علي بسيارته الشبابية.. يخرج رأسه من النافذة ويصرخ: (محمد) يلا تعااال
أصعد إلى السيارة وأسأله عن وجهتنا فيجيبني بأننا ذاهبون إلى شقة الشباب، أنتظر بفارغ الصبر وصولنا إلى الشقة التي بدا طريقها أطول بعض الشيء، ونتجاذب أطراف الحديث لكن (عادل) فاجئني بسؤال ظل يحدث به نفسه طويلا.. تنهد ثم قال:
:(محمد).. إنت ليش ما تبغا تتزوج يعني ما شاء الله عند كل شي؟
أصمت طويلا لكن شفتيّ تجبرانني على البوح بما أكنه..
:يا (عادل) الحكاية مو حكاية ما أبغى وبس.. الحكاية حكاية إني ما أعرف البنت.. ما أعرف إزا كانت تناسبني ولا لأ..حاسس إني حأحبها بس ببغالي وقت..
:لا حول ولا قوة إلا بالله يا واد اشبك؟ أحد كدا يقول والله كأنها مصيبة، بس أنا عارف الحكاية.. لساتك تحب بنت خالك.. ياخي أنساها اش تسوي لو هي مو من نصيبك.. ربنا كاتب كدا..
لا أحد يعرف حقيقة ما في نفسي لذا فإن مواساتهم لي لا تعادل جزءا واحدا من همي الكبير.. فما تحمله نفسي لابنة خالي أكبر من أن يوصف.. مع أنني لم أتحدث معها سوى مرات تعد على الأصابع لكنني أزداد تعلقا بها كلما رأيتها..
يصرخ (عادل) في أذني: (محمد) اشبك ما تسمع يلا وصلنا..انزل     
ها هو (عادل) يفتح باب الشقة.. وأرى مظاهر الـ(حفلة) المثيرة للدهشة..
:حسين: اش رايك (محمد)؟
:رااااااائع.. مؤسر
:عبد الإله: هادي حفلة وداع العزوبية.. عقبالنا
:وداع العزوبية في عينك!!!
سعدت كثيرا ذلك اليوم صحيح أنه كان احتفالا بسيطا.. لكنه حمل كثيرا من المعاني الجميلة التي جعلتني أشعر بالراااحة...
****
أستيقظ وحدي لأول مرة في صباح يوم العرس.. أنظر إلى الساعة.. إنها السادسة، الوقت متأخر جدا، لقد مضت ساعة على صلاة الفجر.. قفزت من فراشي وذهبت لأغسل وجهي وأتوضأ،نظرت إلى نفسي في المرآة،، ما بالي أبدو شاحبا هذا اليوم؟ ما بال ملامحي لم تعد تشبه ملامح والدي؟ ما بال لوني اسمرَّ هكذا؟ لعله السهر فقد أرقت كثيرا في الليالي الماضية.. أو ربما... قطعت تفكيري وذهبت لأصلي الفجر.. دعوت الله بحرارة أن يوفقني مع (سنا) وأحسست لأول مرة بأن صدري منشرح.. أجلس القرفصاء في زاوية غرفتي وأفكر أفكر طويلا في حياتي.. قراراتي التي كنت أختارها وحدي دون استشارة أحد.. كل قراراتي.. منذ الابتدائية وحتى دراستي الجامعية.. (قسم اللغات) الذي لم يكن هناك من يشجعني لدخوله.. دراستي في الخارج..التأليف.. عملي في الجامعة.. كل ذلك كنت أختاره وحدي ولا آبه بالجميع.. أفكر في هذا القرار الوحيد الذي لم أختره وحدي.. لم أتخيل يوما أن أحدا ما سيكون مسؤولا عن اتخاذ قرار خاص بي..ولو كان شخصا غاليا على قلبي كأمي.. لا أدري ربما كان قرارا صائبا...
أنظر إلى قائمة أعمالي لأول مرة منذ شهر.. حمدا لله فقد تم حجز كل شيء.. وقد رتبت شؤون العروس كاملة.. أشعر بالخجل من أمي وإخوتي، فالكل كان دؤوبا لمساعدتي إلا أنا!
أعود لأنظر إلى الساعة.. لكني ألحظ أنها لم تتحرك....... يال الكارثة إنها متوقفة.. أنظر إلى ساعة الهاتف فأجد أنها التاسعة.. أوقظ أمي.. وأخواتي و (عبد الإله)..فيستغرب الجميع حماسي هذا اليوم.. ألحظهم يرمقونني بنظرات غريبة بعض الشيء.. لاشيء سوى النظرات فهم حذرون من أن يتفوهوا بأي شيء خشية أن أعود لحالة الاكتئاب تلك.. 
وفي غضون ساعة واحدة بدا الكل مستعدا.. رتبنا المنزل، وتأكدت أمي من أن (منى)لم تضيع حليها!، وأتت (مريم) من منزلها.. وتأكدنا من حضور الطباخين، وأكدنا حجز القاعة، والسيارة الفارهة التي استأجرها أخي، وكل شيء بدا جاهزا.. فهدأ روعي أخيرا..
كعادتي يجب أن أوثق كل اللحظات المؤثرة في حياتي لكن بأسلوبي الخاص..
أجلس على مكتبي وأجذب حقيبة حاسوبي المحمول.. أفتحه فتظهر لي صورتي التي وضعتها مؤخرا خلفية للشاشة.. أتأمل الصورة..كنت فرحا جدا ذلك اليوم فهو يوم تخرجي من الجامعة.. هل ياترى سيأتي يوم أضع فيه صورة العرس كأجمل ذكرى في حياتي.. أرجو ذلك بشدة..
أدون كل ما استطعت جمعه في مخيلتي عما أتوقع أن يحدث هذه الليلة.. يقطع جلستي صوت طرق الباب..
إنها الوالدة..
:اتفضلي يا أمي..
:كيفك (حمودي)؟ اش قاعد تعمل؟
:تمام.. أكتب
:برضك بتكتب؟ الله يخليك يا حبيبي أسمعني كويس..

أعلم تماما طريقة أمي في التوصيات.. فكلما تقول (الله يخليك يا حبيبي أسمعني كويس) أوقن أن هناك وصايا كثيرة يجب علي سماعها..وفعلا بدأت أمي تشرح لي ما يجب أن أفعله، وتحدثني عن التجارب التي عاصرتها، وتوصيني بالعين الحمراااء، لكني لا أجد مبررا لها ما دامت الفتاة لم تفعل شيئا..
أعود لمكتبي لكني أغلق جهازي وأعيده حيث كان.. أضع رأسي على الطاولة.. وأستسلم لغفوة قصيرة.. وهاهما (منى) و الصغيرة (وعد) ابنة أختي يصرخان: (حموووووودي) يلا الغداااا..
أركض نحو الباب وأنا أنوي معاقبة هاتين الصغيرتين الشقيتين كم مرة قلت لهما ألا يصرخا هكذا لكنهما يصران على إزعاجي..
أفتح الباب فأجدهما واقفتان أمامي وهما ترتديان فستانين جميلين جدا.. فأصمت..
:منى:اش رايك (محمد)؟؟ حلو؟
:ماشاء الله يجنن عليك
:وعد:هادا حق الفرح.. مبرووك يا (حمودي)
:منى:(حمودي) على فكرة حتوحشني كتييير

أحتضنهما بشدة.. فتطبعان القبلات الصغيرة على خدي وتذهبان.. سأفتقدهما كثيرا خاصة (منى) لاسيما أنها من تضفي ذلك الجو المرح على منزلنا.. فهي (آخر العنقود)..
نتناول طعام الغداء،، وأستعد للذهاب إلى الحلاق فلابد من ترتيب شعري ولحيتي، يرافقني (عبد الإله) و(حسين) ليقنعا الحلاق بأن يقص شعري على طريقتهما! يطول جلوسي على هذا الكرسي غير المريح، ويملي علي الشابان بعضا من خبرتهما ليخرج العرس بصورة حديثة كما يقولان.  وهاهي الأفكار تراودني مرة أخرى، أشعر بمغص شديد عادة ما يأتي عندما أكون متوترا.. يصر الشباب على أن تلتقط الصور معا، وأحاول إقناعهم أننا لا نملك وقتا لكن محاولاتي باءت بالفشل يجرني الشباب جرا إلى الأستوديو، فنتلقط صورنا سريعا ثم نذهب إلى المنزل لأرتدي ثيابي، لطالما تمنيت لبس العمامة البرتقالية (المكاوية) الفريدة.. تدخل أمي بالمبخرة وتبخرني حتى يمتلئ حلقي، وتنظر إلي طويلا وتقول:طالع زي القمر.. تشبه أبوك وتعانقني طويلا طويلا فأسمع شهقاتها..كم أثر فيّ بكاؤها في يوم كهذا، ويمر علي شريط ذكريات ذلك الحادث المؤلم الذي توفي فيه والدي..كم كان صعبا علي تذكر أني من قاد السيارة ذلك اليوم.. تقطع أمي تفكيري قائلة: محمد حبيبي..حتوحشني كتيير قد ما وحشني أبوك وتقبلني وتدعو لي بحرارة، عندها لا أجد نفسي إلا وأنا أرتمي في حضنها مرة أخرى، فتنظر إلي بعينين دامعتين، وتقول: روح يا عمري الله يوفقك..
يتصل بي (سمير)، الوقت غير مناسب تماما لكن علي أن أجيب:
:ألو مرحبا..
:ألوووووو وينك يا عريس؟؟
:لسا رايح أجيب البنت
:اسمها العروسة مو (البنت)
:يا أبوي مشيلي بطني تمغصني..
:بسرعة إحنا مستنين نشوف كيف شكلك بالعمة..
:لا حول ولا قوة تتمسخر؟؟ جايلك دحين..

أذهب أنا وأمي وأختاي اللاتي تصران على الذهاب معنا و(عبد الإله) و(حسين) لا أدري أين ستجلس العروس مع هذا الكم الهائل من الناس، لكن من حسن الحظ أن أخي استأجر سيارة كبيرة بعض الشيء، كان من الأفضل أن يستأجر حافلة!
نصل إلى بيت العروس البعيد جدا ويسبقنا عمي وأخي إلى القاعة لأن العروس أصرت على اصطحاب أخواتها الثلاثة في السيارة، تبدو خائفة بعض الشيء لكنها تحاول التماسك، ألاحظ أن أمي معجبة بها كثيرا، فتارة تقبلها وتارة تلاطفها وتداعبها، كان الأحرى بها أن تداعبني أنا فخوفي لا يعادل أضعاف أضعاف خوفها.. أنظر إليها مليا.. عينيها ناعمتان جدا.. تبدو رائعة بفستان العرس.. مرات كثيرة رأيتها فيها جميلة جدا.. لكن هذه المرة بدت مختلفة، بدت أجمل من كل تلك المرات السابقة.. 
نصل إلى القاعة عند الثانية عشرة تماما.. تستقبلنا الأهازيج والأغاني الشعبية، يا إلهي القاعة مكتظة بالناس، أشعر أن أمي لم تترك أحدا في هذا العالم إلا ودعته لعرسي كيف لا وأنا طفلها الصغير المدلل! أجلس على كرسي العريس، وألحظ الشباب في الطاولة المواجهة لي تماما، يتهامسون ويضحكون، وأحاول تعديل العمامة والثوب، يبدو أنهم يحاولون إضحاكي، لكني لن أضحك أبدا.. أنظر إلى الثريات الذهبية وأحاول عد الطاولات والكراسي.. أتذكر أبي ووصاياه في يوم كهذا.. أتذكر وفاته في ذلك الحادث البشع الذي رأيت فيه الموت بعينيّ التي تعود الدموع لتزورها، يتناول الحضور طعام العشاء وأنظر إليهم.. أتأمل قسمات الوجوه.. وأغووص في تفكير عميييييق.....
يحين وقت الزفة.. يا إلهي إنه من أصعب اللحظات فيجب علي الدخول إلى قاعة النساء، من الجيد أني لن أدخل وحدي يرافقني (عبد الإله) نحو القاعة.. من الجيد أيضا أنه لم يبقى سوى (حريم العيلة) بين الحاضرات، أفكر في أني ربما أجد بينهن ابنة خالي (روان).. لا أتوقع أنها لم تأتي هذا اليوم، على أية حال أتمنى ألا أراها..
أدخل إلى القاعة وتستقبلني الزغاريد أنظر يمنة ويسرة بين الحاضرات وكأني أبحث عنها، يقرصني أخي ويقول:طالع عروستك وبس.. أستمع إلى كلامه وأذهب لأجلس بجوار زوجتي.. يراودني شعور غريب.. أنظر إليها.. يا إلهي.. إنها سااحرة جدا جميلة وناعمة.. لكن رغم هذا فهي ليست التي أريد.. أشعر بالذنب لأني ربما لن أكون مخلصا في حبي لها.. لكني أطرد هذه الأفكار وأركز عليها فقط.. تقدم (منى) و(مريم) كعكة الاحتفال المكونة من ستة طوابق.. أخشى أن تكون زوجتي نهمة فهي من اختارت هذه الكعكة! أتذكر وصايا الأهل لمن تجي التورتة أمسك يدها وقطعوها سوا أشعر بالبرد القارس لمجرد تخيل أني سأمسك يدها.. لكنني أستجمع قوتي وأضع يدي على يدها فتبتسم ابتسامة عريضة، وننجز المطلوب.. حمدا لله نجحت المهمة الأولى.. أفاجأ بـ(روان) تنظر إلينا مليا وتبتسم لي خصوصا.. لا أدري ما الذي تفكر فيه هذه الفتاة.. أحاول صرف نظري عنها.. تفاجئني هذه الأخرى بكوب من العصير.. فآخذ أنا الكوب الآخر وأشربها العصير بحذر كي لا ينسكب على الفستان.. جيد أني تصرفت بسرعة قبل أن يظهر ارتباكي.. تبدأ الصغيرتان (وعد) و(منى) بالتقاط الصور هذا هو الجزء المفضل لديهما.. والغير مفضل بتاتا لي.. تقدم أمي لنا (الشبكة) وتهمس: يلا يا حبيبي لبس عروستك، تذكرت في هذه اللحظة ذلك اليوم الذي أعطتني فيه أمي المال لشراء (شبكة العروس) وما قالته لي: خد يا ولدي هادي عشرين ألف روح اشتري الشبكة تذكرت كم كنت في حيرة من أمري في ذلك اليوم حتى أنني اصطحبت أختيّ معي لاختيار مجوهرات العروس.. كنت خائفا من ألا يعجبها ذوقي لكني تفاجأت بأنه أعجبها كثيرا.. كانت فرحة كثيرا على عكسي أنا فقد كنت متوترا جدا حتى أن الجميع لاحظ ذلك.. لا بأس فأنا لم أكن معتادا على مشاعر كهذه.. مشاعر مختلطة بين الخوف والتوتر والفرح.. كنت أحاول أن أنسى تلك الأفكار المزعجة التي كنت أحدث بها نفسي.. أنظر إلى أمي.. كانت فرحة جدا وكأن الدنيا لا تسع فرحتها تلك.. أتذكر كيف كانت أختاي تصفقن على إيقاع تلك الأغاني التي لم تكن تزيدني إلا توجسا.. لم أرهن فرحات هكذا من قبل.. تساءلت في نفسي.. لِم لا أفرح معهن أيضا؟ ألست أنا (العريس) ؟ هل هن فرحات حقا لأنني تزوجت أم لأنهن تخلصن مني؟ كم كنت عالة على أسرتي.. كثيرا ما أشعرتهم باليأس.. أذكر عندما أهدى لي أخي هدية تعييني في الجامعة.. كانت سيارة فارهة لكني خيبت آماله.. كان يريد مني التخلص من عقدة القيادة بعد ذلك الحادث.. لكنني لم أستجب له.. رفضت تلك السيارة بشدة، ولم أفكر في أنني قد جرحت مشاعره بل كنت أفكر في نفسي وحسب.. أفكر في أن الجميع يجب أن يكون مهتما بي.. حريصا على ألا يجرح مشاعري.. أما أنا فلا بأس أن أضايق أحدهم، وعليه ألا يتحدث.. فأنا المدلل قبل وبعد حادثة والدي –رحمه الله-  أذكر كم كنت ماهرا في قيادة السيارة حتى أنني كنت أتسابق مع (الشباب) في الطرق السريعة.. أما الآن فمن الجيد أن أستطيع الركوب في سيارة أخي.. حتى أصدقائي وجميع المقربين مني.. كلهم كانوا عاكفين على مساعدتي خاصة في فترة الإعداد لهذا الزواج الناجح ماديا، والذي أتمنى أن يكون ناجحا معنويا..
حسنا.. لا مزيد من تلك الأفكار المزعجة.. علي أن أرقص مع عروسي.. أستجمع شجاعتي وأطلب منها أن ترقص معي.. فيعلو التصفيق.. وأشعر بفرحة غامرة تعتريني..وهي كذلك... أشعر بفرحة ترتسم في عينيها الكحيلتين.. وثغرها الوردي..
****
أستفيق من غفوتي على صوتها..
:(محمد) حبيبي.. قوم صرلك نايم كتير.. طفشت لحالي..
:ايش .. وصلنا؟
:تقريبا كدا باقي شوية.. أكلم المضيفة تجيبلنا قهوة؟؟.. ما شربت قلت أستناك..
:ياريت والله.. مصدع مررة معاك مسكن؟
:سلامتك.. دقيقة بس أجيب الشنطة..

تبحث في حقيبتها عن الـ(مسكن) أتأملها بعمق، مازالت جميلتي جذابة.. لطيفة.. لكني مازلت لا أستطيع التعبير لها عن إعجابي بها.. مازلت أفكر بـ(روان).. لم أستطع محوها من ذاكرتي.. ضميري يؤنبني كثيرا وأشعر أنني أظلم (سنا) التي لم أر منها إلا كل حب ولطف، ولم تر مني سوى البروووود..
:خد (مسكن)..
:شكرا
أنظر من نافذة الطائرة.. بهذه السرعة مر شهر ونصف على زواجنا وها نحن نسافر بعيدا عن الوطن لا أدري إن كان خيار السفر إلى (ألمانيا) صحيحا، لكن الجميع شجعني خاصة (سنا).. خصوصا أنها فرصة ذهبية لي ولها.. آمل أن أحظى بحياة مستقرة هناك..
أحتسي قهوتي وأعود للنظر من النافذة ترتسم في مخيلتي صورة أمي.. شقيقتيّ، أخي عبد الإله، والشباب و(روان) اشتقت إليها كثيييرا.. اشتقت إلى (مكة) إلى كل شيء فيها.. اشتقت إلى غرفتي والجامعة.. أتمنى أن أعود إليها حاملا شهادة الدكتوراه..
بدأت طائرتنا بالهبوط وبدأت حينها حياة جديدة مع (سنا) وحدها..
أنجزنا إجراءات المطار، واتصلت على الفندق ليبعثوا لنا سيارة أجرة.. وجلسنا في استراحة المطار بانتظارها.. كنت معتادا على هذه الأجواء أثناء دراستي الجامعية.. لكنها كانت جديدة على (سنا) التي لم تزر (ألمانيا) من قبل..أقدرها كثيرا لأنها وافقت بكل رحابة صدر أن أصطحبها معي إلى هنا رغم أنها لا تعرف ما الذي ينتظرها لكنها وافقت لإرضائي فحسب..
ها قد أتت سيارة الأجرة وذهبنا إلى الفندق.. كنا متعبين كثيرا من هذه الرحلة الطويلة وما إن وصلنا حتى وضعنا حقائبنا واستسلمنا للنوم..
****
أول صباح في (ألمانيا)... استيقظت على رائحة القهوة العربية التي تعدها (سنا) نظرت إلى هاتفي فوجدت سبع مكالمات من (عبد الإله)، قمت من فراشي وتوضأت وصليت الفجر.. وعدت للاتصال به.. ثم توجهت نحو المطبخ فوجدتها تعد طعام الإفطار، وما إن رأتني حتى ابتسمت..
جلست على طاولة الطعام.. وإذ بي ألحظ ورقة صغيرة على الطاولة.. لم أعرها اهتماما كبيرا وبدأت أتناول فطوري.. استغربت لكون (سنا) تعد قهوة عربية فسألتها..
:شايفك سويتي قهوة.. جايبة معاك بن؟
:لا نزلت اشتريتو في محل تحت شفتو واحنا جايين يبيع..........
:ايش؟؟ سمحتلك أنا تنزلي المحل؟؟
:آسفة حبيبي بس..........
:لا تقولي حبيبي..

:(محمد)... اشبك معصب؟
:ما فيني شي.. مرة تانية ياويلك تروحي مكان من غير ما تقولي..
:ياويلي؟!

ونهضت من كرسيها وأخذت تلك الورقة وألقتها في سلة المهملات وتوجهت نحو الغرفة.. أخذت تلك الورقة من سلة المهملات ووضعتها في جيبي وقررت قراءتها لاحقا..
أكملت فطوري وشربت القهوة واستعددت للذهاب إلى صديقي (سعيد) الذي يسكن هنا.. ألقيت نظرة على الغرفة فوجدتها تحمل دفترا صغيرا وتكتب.. لا أدري ماذا تكتب لكن أيا كان فهو حتما لا يهمني..
أستقل المصعد نزولا إلى بهو الفندق.. ألحظ عن يميني محلا للقهوة لابد أنه ذاك المحل الذي اشترت منه (سنا) البن..
أتمشى في شوارع العاصمة مظهري غريب هنا خاصة أنني أرتدي (الثوب) و(الشماغ) لكني أفرض نفسي كعربي خليجي هنا في (ألمانيا)..
ها أنا أصل إلى منزل (سعيد) ستكون مفاجأة له خاصة أنني لم أخبره أنني هنا..
أرن الجرس فتفتح لي (ريتا) خادمتهم الآسيوية.. والتي تسكن معهم منذ إحدى عشرة سنة..
:مرحبا (ريتا) كيفك؟
:أووووه أهلا (عم محمد) كيف انتا؟؟ اتفضل (عم سعيد) موجود..
صرخت مناديا (سعيد) وهاهو يأتي.. لكن على كرسي متحرك!!
:(سعيد)... خير عسى ماشر؟؟
:لا حادث بسيط
:أي بسيط وانتا ما تمشي؟؟ اش صرلك؟
:طيب تعال اتفضل وأنا أحكيلك..
:يلا
وجذبت كرسيه متجها إلى غرفة استقبال الضيوف فأنا أحفظ أجزاء بيته جيدا..
:يلا (سعيد) قوول..
:ياسيدي كنت جاي قبل شهرين بالسيارة في الليل هنا في شارع البيت بعدين جو اتنين شباب سكرانين بيتسابقوا بسيارتهم.. الأول شكلو ماكان شايف كويس فصدم سيارتي من ورا فصارت قاعدة في نص الشارع والتاني جا وصدمها من عند الباب حقي فانقلبت وصار الي صار..
:لا حول ولا قوة إلا بالله.. يلا سلامة
:أي والله كنت حأموت بس ربك لطف
تقدم (ريتا) عصيري المفضل (برتقال وجزر)..
:شكرا (ريتا)
:عفوا (عم محمد)..
:ماقلتلي (محمد) من متى انت هنا؟
:لسا جاي أمس
:ما قلنالك مبروك زواجك.. عسى جايبها معاك
:جات معايا ايوة.. الله يبارك فيك.. كيف الأولاد؟ مني شايفهم؟
:والله طلعوا مع أمهم.. رجعتها على فكرة
:اللهم لك الحمد أخيرا استهديت بالله ورجعت الآدمية
:والله كنت من البداية برجعها بس الحريم يبغالهم شوية تأديب.. كيفك انتا مع العروس؟
:الحمد لله....
ربما لاحظ (سعيد) أنني أجبت إجابة مختصرة لكنه لم يرد الخوض في تفاصيل علاقتي بـ(سنا) غير المفهومة أخرج من بيته بعد جلسة سمر طويلة حوالي الساعة الواحدة ظهرا.. أعود إلى الفندق مستقلا سيارة أجرة
نقف عند الإشارة وأتأمل المكان.. تغييرات طفيفة لكنني لا أزال أذكر هذا الشارع جيدا.. أتأمل يدي اليسرى أو (الدبلة) وأتأمل معها كل تفاصيل حياتي مع (سنا) منذ اليوم الأول.. ليلة العرس.. شهر العسل..كل لحظة لي معها حتى هذا اليوم..
ينبهني السائق أننا وصلنا أعطيه الأجرة وأدخل الفندق..
أفتح باب الشقة فأسمعها تتحدث بالهاتف مع والدتها ربما.. أقف قليلا لأفهم عم تتحدث..
:ايوة يا ماما والله (محمد) مرة كويس
 قاعدين في شقة في الفندق اللي حجزنا فيه لين ما نشوف لنا بيت برا..
 قلتلك يا أمي الولد مرة طيب..
 لا يا أمي اطمني ماشيين تمام بعد بكرة حداوم في الجامعة.. ادعيلي
 يلا سلميلي على بابا وكل البيت..
 مع السلامة..
استغربت حديثها مع والدتها لكني تصرفت وكأنني لم أسمع شيئا طرقت باب الحجرة ودخلت..
:السلام عليكم
:عليكم السلام.. أحطلك غدا؟
:لا أكلت مع صاحبي.. أسمعي شوفي اش تبغي من مقاضي أكتبيها عشان أجيبها لك بعدين، ولا تفضي كل الملابس في الدولاب عشان حننقل يمكن اليوم المسا..
:فين حنروح؟
:في بيت دبرو ليا صاحبي..
خرجت من الغرفة وألقيت بجسدي على السرير وتذكرت تلك الورقة أخرجتها من جيبي وبدأت أقرأ..
(في أول صباح لنا هنا.. أدعو الله أن يوفقك.. ويكتب لك النجاح.. ويسعدني معك،، كلمة أردت أن أقولها لك منذ زمن.. أحبك،، )
تأثرت كثيرا بما كتبته وأرغب في الاعتذار لها لكني لا أستطيع.. شيء ما يمنعني ولا أدري ما هو..
أفتح الدرج وأخرج جهازي المحمول.. وأبدأ بالكتابة..
(اليوم: السبت  /    /2006
(ألمانيا) لقد وصلت لكن ليس وحدي هذه المرة بل مع (زوجتي)..
(زوجتي).. كلمة تلقي بالكثير من العبء علي.. الكثير من المسؤولية.. والكثير من المشاعر التي يجب علي منحها لـ(سنا) لكني لا أستطيع.. أشعر أنها ليست لي.. وأشعر بالحنين إلى (روان) كثيرا وأتمنى لو أني لم أرتبط بها.. لأني بت الآن حائرا بين اثنتين....! )..
نظرت إلى صورة تخرجي وأغلقت الجهاز.. وضعته جانبا.. وغفوت..
فتحت عينيّ ونظرت إلى الجدار أمامي.. توهمت لبرهة أنه جدار غرفتي في (مكة) لكني علمت للأسف أنه توهم لا أكثر..
ألاحظ أنني لا أرتدي جواربي رغم أني لا أتذكر أنني خلعتها، كما أن الغرفة باردة، والغطاء فوقي.. فأعلم أنها
من فعلت ذلك.. يؤنبني ضميري كثيرا لتعاملي القاسي معها، وأعلم أني لست كذلك.. لكنني لا أستطيع أن
أكف عن ذلك فأنا أشعر أنها من حالت بيني وبين (روان)..
خرجت من الغرفة فوجدتها نائمة على الأريكة تاركة التلفاز مفتوحا.. أغلقته وحملتها إلى الداخل ووضعتها على السرير وسحبت الغطاء وغطيتها به.. وكأني أعتذر لها عما فعلته صباحا، أو أرد لها ما فعلته لي..
لأول مرة أشعر أنه لا يوجد شيء لأفعله.. أود الذهاب إلى الجامعة لكن دوامها يبدأ بعد غد.. ذهبت إلى المطبخ فوجدت ورقة (المقاضي) معلقة على الثلاجة.. جيد هناك ما أفعله إذا..
نزلت إلى الـ(سوبر ماركت) وبدأت بشراء الحاجيات.. يرن هاتفي.. أخرجه من جيبي.. هذا (سعيد)..
:مرحبا (سعيد) ها زبطت الموضوع؟
:ايوة خلاص البيت نفسو اللي قلتلك عليه ممكن من دحين تروح..
:الله يبشرك بالخير.. شكرا كتير تعبتك معايا..
:لا ولو ...كم (محمد) عندي أنا.. تسكنوه بالعافية..

كان لابد من الاستعانة بصديقي (سعيد) في شراء منزل صغير نسكن فيه أثناء فترة مكوثنا هنا فهو محترف في أمور البيع والشراء والعقارات.. وبما أن الوقت لا يزال مبكرا أود أن ننتقل فورا إلى ذلك المنزل.. أتصل على هاتف الفندق لإيصالي إلى هاتف شقتنا..
:ألو (سنا)
:ألو (محمد)
:أسمعي دخلي الملابس في الشنط البيت سار جاهز
:طيب.. مع السلامة
وفرغت من شراء الحاجيات وصعدت إلى الشقة.. وجدتها ترتب ملابسنا داخل الحقائب استعدادا للانتقال وذهبت لأرتب معها الغريب أنها كانت ترتب ملابسي بينما لم ترتب ملابسها.. فتحت الخزانة وأخرجت ملابسها لم أكن أعرف كيف أضعها جيدا داخل الحقيبة.. نظرت إلي وابتسمت وبدأت تعلمني وبينما نحن نفعل ذلك قالت..
:(محمد).. أنا آسفة.. اليوم زعلتك..
:زعلتيني؟
:اليوم الصباح ما كان مفروض أنزل بس أنا كنت.....
:خلاص مو مشكلة سار خير.. أنا بس كنت خايف عليكي عشنك ما تعرفي المكان كويس..
:أنا كمان قلت كدا.. ع العموم إن شاء الله آخر مرة،، على فكرة ماما تسلم عليك..
:الله يسلمها.. كم الساعة؟
:تمانية ونص
:كويس هاتي الشنطتين دول أنزلهم..
:يلا خد..
وأنزلنا حقائبنا باتجاه منزلنا الجديد.. الطريق طويلة نوعا ما إلى ذلك المنزل.. أنظر من نافذة السيارة وأنا أفكر في القدر الذي فرق بيني وبن ابنة خالي وجمع بيني وبين فتاة ليست حتى من عائلتنا..ليست سوى ابنة إحدى صويحبات (الوالدة).. لكني أعلم أن ربي أراد بي خيرا معها.. فقط علي أن أعتاد عليها وأنسى الجميع عداها ربما هي معادلة صعبة قليلا لا أدري هل هو ذنبي لأني لم أجرؤ على الاعتراض على قرار أمي.. أم هو ذنبها لأنها لم تستشرني.. أم هو قدر علي الاستسلام له.. أم هو أسوأ تجربة مررت بها.. أم هو أفضل تجربة مررت بها.. أم هو مسؤولية ألقيت على كاهلي.. لا أعلم لكن كل ما أعلمه الآن أنني يجب أن أصبر.. 
قطعنا نصف الطريق نحو ذلك المنزل الذي لا أعلم عنه سوى شكله الخارجي لكني أثق باختيار (سعيد).. حتى الآن لم أعط (سنا) أية تفاصيل عنه.. وهي أيضا لم تسأل عنه كل ما تعلمه هو أنه منزل فحسب..
أستغرب هذه الفتاة هل تفكر هي أيضا أنني حظ ساقه القدر إليها.. هي لم تعلم عني سوى المعلومات الموجودة في بطاقتي الشخصية..! ورغم ذلك أجدها تعاملني وكأنها تعرفني منذ زمن.. لا أدري إن كان ما قالته لوالدتها (تمشية حال) أو أنه أمل في أن أصبح (مرة طيب) كما قالت..، وأستغرب نفسي التي تغيرت عليّ كثيرا منذ زواجي بها.. نفسي التي قست عليّ وعليها وأنا عاجز أمامها لا أدري كيف أتصرف.. و(سنا) تحاول ربما تغييري لأصبح أفضل معها، ربما لأنها لا تعلم أنني لست كذلك أصلا لكنها تغييرات طرأت علي من حيث لا أدري...!
نتوقف عند بيتنا الجديد،
:يلا (سنا) حبيبي.. وصلنا
لا أدري كيف قلت هذه الكلمة.. لكن وقعها عليها كان كبيرا..
التفت نحوي باستغراب وتّرني.. فتداركت الأمر وقلت:
هادا البيت اش رايك حلو؟
تمتمت: حلو.. حلو!
نزلنا من السيارة.. فتحت باب المنزل وأشعلت الأضواء.. عندها كانت المفاجأة التي أدهشتها وأدهشتني!!
:(محمد).. عن جد هادا البيت؟
:والله ما أعرف.. دقيقة بس
أخرجت هاتفي واتصلت بـ(سعيد)..
:ألو
:ألو (سعيد) من جدك انتا؟
:ايش؟
:البيت مفروش..يعني أنا قلتلك جهز غرفة غرفتين من الدور اللي فوق مو البيت كلو الله يهديك..
: معليش يا (محمد) أنا اشتريتو كدا خلاص ياخي ما حصل شي
:الله يهديك بس..
:لا تخاف تدفع لي حقو مقسط
:والله ماني عارف اش أقولك
:لا تقول شي خلاص ادخل رتب أغراضك..
:طيب.. الله يجزيك خير مع السلامة
ليس غريبا أبدا على (سعيد) تصرف كهذا لكن الغريب أنه استطاع توفير منزل مجهز في ظرف اثنتي عشرة ساعة فقط! وبأقل تكلفة ممكنة.. فعلا كما يقول (التجارة شطارة)..!
اطلعنا على المنزل الجميل جدا والذي أعجبت به (سنا) كثيرا وكذلك أنا، ورتبنا ملابسنا داخل الخزائن، ورتبنا أدوات المطبخ، وكل شيء.. شعرت بشعور جميل وأنا أساعد (زوجتي) في ترتيب (منزلنا)، أو ربما هي كلمات أضفت على حياتي لمسة من الاستقلال..!
****
استيقظت و(سنا) فزعين في صباح اليوم التالي على صوت ساعة ضخمة تصعق الآذان، فعرفت أنها واحدة من دعابات (سعيد) التي لم يتخلى عنها منذ أن كنا في الجامعة.. يرن هاتفي.. صرخت: أووووه هذا (عادل)..
:مرحبا (عدوول) كيفك؟
ألاحظ خروجها من الغرفة فور بدئي المكالمة.. كي أشعر بالراحة ربما..
:واحشني (محمد) كيفك؟
:الحمد لله مبسوط
:مبسوط كدا وبس؟ قول مرتاح.. مستقر
:يا ولد خلي عنك الخرابيط دي وحكيني كيف الشباب؟
ويطووووووول الحديث عن كل شيء تركته في (مكة).. أنهي مكالمتي التي دامت ستا وأربعين دقيقة مع (عادل) أنهض من فراشي وأنزل إلى المطبخ لكي أتناول الطعام فأجدها قد أعدت الإفطار وجلست بانتظاري وما إن رأتني على الدرج حتى ابتسمت..
جلست على الطاولة وتناولنا فطورنا الشهي جدا والذي أشعرني أنني في مطعم..همست..
:إن شا الله عجبك..
:جدا.. ما شاء الله..
:الحمد لله

كان هذا اليوم حافلا فقد كنا نرتب أوراقنا فغدا أول يوم لنا في الجامعة أنا في (قسم اللغات) وهي في (كلية العلوم قسم الكيمياء الحيوية) التي أكرهها جدا والتي أذكر أنها كانت السبب وراء انخفاض معدلي في المرحلة الثانوية..
قررت أن نذهب للتنزه هذا اليوم فمن يوم غد لن يكون بإمكاننا التنزه نظرا لأن الجامعة ستشغل وقتنا كثيرا.. اصطحبتها معي إلى حديقة الحيوان.. وأمضينا وقتا جميلا هناك، ولم ننسَ طبعا أن نلتقط الصور فهي هوايتي المفضلة، تذكرت عندما كنت أصطحب أختيّ لنتنزه كنا نمضي أوقاتا جميلة مع بعضنا لاسيما أنني الأقرب لهن سنا.. أفتقدهن كثيرا.. ولا شك أنهن يفتقدنني..
عدنا إلى المنزل الساعة العاشرة كان علينا أخذ قسط من الراحة استعدادا ليوم غد.. أتمنى أن يكون موفقا
****
استيقظت صباحا وكالعادة سبقتني (سنا) في الاستيقاظ، يبدو أنها لم تنم حتى.. شيء طبيعي فالجامعة ستكون غريبة جدا عليها رغم وجود طلاب عرب لكنها تظل (فتاة).. لا بأس سأتفقدها مرارا فقسمي لا يبعد كثيرا عن قسمها.. جيد أننا في نفس الجامعة..
أخذت حماما دافئا وصليت الفجر.. وقتت منبهي على الساعة الثامنة والنصف وعدت للنوم مرة أخرى فالدوام يبدأ عند التاسعة.. أسمع خطواتها تأتي وتذهب.. وأشعر بتوترها.. وأتمنى لها التوفيق..
منبهي يرن فأستيقظ وأذهب لأجهز نفسي أنا متحمس جدا لأني سألتقي بزملائي القدامى.. نزلت إلى الطابق السفلي رأيتها تجلس على طاولة الطعام وقد أعدت طعام الإفطار وهي في أتم الاستعداد..
جلست على الطاولة..
:صباح الخير
:صباح النور.. افطر (محمد) يلا عشان نطلع..
:يلا..
تناولنا طعامنا.. وخرجنا من المنزل..
استقلينا سيارة أجرة لتوصلنا.. الجامعة ليست بعيدة عن منزلنا.. أراها تكتب طوال الطريق، وأنا أفكر طوال الطريق.. بدأت أعتاد على وجودها معي شيئا فشيئا لكني أشعر بالمسؤولية تجاهها وأخشى عليها كثيرا خاصة أنها الزيارة الأولى لها إلى (ألمانيا) شرحت لها كل ما يجب عليها فعله.. وسأعود لآخذها في نهاية الدوام..
تقف السيارة عند قسمها أولا..
:يلا (سنا) وصلتي..
:هادا هو؟ طيب يلا مع السلامة..
:مع السلامة
:ادعيلي (محمد)
:ربنا يوفقك.. انتبهي على نفسك..
:حاضر..
أنتظرها حتى تدخل من البوابة ثم أذهب..
دخلت الجامعة لأول مرة بعد ثلاث سنوات من تخرجي.. هذه باحتها.. لم تتغير كثيرا، وهذه المكتبة.. أخرجت هاتفي المحمول والتقطت لها صورة جميلة.. عدت بذاكرتي إلى تلك الأيام الجميلة أذكر عندما كنا نتهرب من المحاضرات أنا وزملائي ونذهب إلى مطعم أو حديقة.. كانت أياما رائعة بحق..
ألحظ هناك وجها عربيا أعرفه.. هل يعقل أن يكون هذا (مختار)؟ إنه هو حقا.. ناديته فالتفت إليّ وصرخ:
:(محمد ناجي)؟ معقول؟
ركضت باتجاهه وتعانقنا طويلا..
:(مختار) والله صدفة عجيبة كيف حالك وحشتني..
رد علي بلهجته السودانية التي صرت أفهمها..
:أنا زاتي ما كنت قايل بلاقيك تاني..
:سبحان الله وأنا كمان..
ودخلنا إلى الجامعة.. إنه (مختار محمد أحمد) صديق قديم منذ أيام الجامعة.. تعرفت عليه هنا ويبدو أن صداقتنا ستستمر..
****
كلما عدت لأتذكر يومنا الأول في الجامعة أبتسم ابتسامة عريضة فقد اختلف الوضع تماما الآن بعد مرور أربعة أشهر على مكوثنا هنا فقد صارت (سنا) تأتي من الجامعة إلى البيت وحدها دون أن أضطر لاصطحابها معي ذهابا وإيابا..
لم يبق إلا القليل على عطلة الفصل الأول وكلما اقتربت العطلة ازدادت الاتصالات من أهلي وأهلها وكل يأمل في أن نعود سريعا إلى الوطن..
****
استيقظت هذا الصباح متأخرا وأنا أشعر بالضجر ولا أملك أدنى رغبة في الذهاب إلى الجامعة.. لكن لا يمكنني التغيب فأنا لا أملك سببا مقنعا يمنعني من الذهاب..
نظرت إلى جانبي فوجدت (سنا) لا تزال نائمة.. غريب أنني استيقظت قبلها لأول مرة.. أيقظتها..
:(سنا).. يلا قومي
فتحت عينيها بتثاقل..
:(محمد) أديني خمسة دقايق بس..
تعجبت منها فهذه أول مرة أشعر فيها أن زوجتي (النشيطة) ليست نشيطة!!
لا بأس فربما لم تنم جيدا الليلة الماضية.. ذهبت وتوضأت وصليت ثم عدت لأوقظها مرة أخرى..
:(سنا) يا بت يا (سنا) يلا قومي حتتأخري..
:طيب حأقوم.. يلا
رفعت رأسها ونهضت من السرير ببطء.. ذهبت إلى الحمام وذهبت أنا لأبدل ملابسي وأستعد للخروج يبدو أننا لن نتمكن من تناول الفطور اليوم في المنزل فقد تأخرنا لذا نزلت إلى المطبخ أعددت شطيرة جبن صغيرة وشربت كوبا من العصير وصعدت لأنادي (سنا).. وقفت على الدرج وصرخت..
:(سنا).. استعجلي يلا..
انتظرت قليلا ولم تأت.. ليس من عادتها التأخر هكذا.. صعدت إلى الغرفة ولم أجدها.. خفت أنها لا تزال في الحمام طرقت الباب بقوة.. وصرخت..
:(سنا).. انتي جوا؟ افتحي
:طيب.. دقيقة
بدا صوتها غريبا.. فتحت الباب.. رأيت وجهها شاحبا..
:(سنا) اشبك؟
:ما أدري.. تعبانة بطني......
لم تكمل الكلمة حتى شعرت برغبة في التقيؤ فعادت مرة أخرى إلى الحمام.. فعلمت أنها مريضة هذا اليوم.. أمسكت بيدها لأساعدها على العودة إلى الغرفة.. فوجدت أن حرارتها مرتفعة جدا.. وأيقنت أنه لا جامعة هذا اليوم..
ساعدتها على الذهاب إلى السرير.. ونزلت لأعد لها عصيرا فربما تتحسن.. صعدت سريعا إليها حاملا كوب العصير.. جلست بجانبها.. وأشربتها العصير.. وذهبت لأعد لها (كمادات) لعلها تتحسن.. وذهبت لأبحث عن مسكن أو خافض للحرارة باختصار أمضيت ذلك الصباح ذهابا وعودة من وإلى المطبخ..
في الظهيرة لم تتحسن حالة (سنا) كثيرا فقررنا الذهاب إلى المشفى.. شخص الطبيب الحالة على أنها (نزلة معوية) وأعطاها الدواء وألزمها بالراحة يوم غد..
تذكرت في طريق العودة من المشفى أنه عليّ أن أعد طعام الغداء.. يبدو أنها مهمة مستحيلة.. فكرت أن أوصلها إلى المنزل وأذهب لأشتري شيئا من المطعم.. وفعلا أوصلتها إلى المنزل.. وذهبت..
وعندما عدت جهزت الطعام وحملته إليها.. لم يكن تماما كما تعده هي لكن كان (مقبولا)..
أصعد الدرج درجة درجة وأفكر.. ماذا لو أتيت وحدي إلى هنا.. كنت سأستأجر شقة صغيرة مع مجموعة من شباب الجامعة.. نتناول ما يعجبنا.. لن نلتزم بوجبات محددة.. لن أشعر بالمسؤولية والخوف الدائم.. لا بأس ربما يجب علي الآن الاعتياد على مشاعر كهذه.. لأنني أمام الأمر الواقع..
دخلت الغرفة حاملا الطعام وجدتها تجلس على السرير واضعة رأسها بين قدميها..
:(سنا) يلا الغدا..
رفعت رأسها..
:معليش (محمد) مالي نفس..
حملت الطعام وجلست على الأريكة المجاورة لسريرها نظرت إلى الطعام وأدركت أنني أنا الآخر (مالي نفس) أعدته إلى المطبخ.. وذهبت لأشاهد التلفاز.. أتنقل بين القنوات بجهاز التحكم.. لا شيء يثير الاهتمام.. حتى القنوات الإخبارية أصبحت تكرر الأحداث.. (قُتل) أو (جُرح) أو (اعتقل)........ إلخ.. لا شيء يبعث التفاؤل..
حياتي أيضا أصبحت تكرر الأحداث.. لا شيء جديد ولا شيء ممتع.. ولا شيء يبعث التفاؤل.. مضى الكثير على زواجنا لكننا حتى الآن نتعامل كالغرباء.. أو ربما أنا الذي أتعامل معها كأنها غريبة.. باختصار نحن لا نبدو كزوجين أبدا.. بل كشخصين وجدا نفسيهما مع بعضهما البعض دون أن يختار أحدهما الآخر  ولا يستطيعان حتى أن يتحاورا مع بعضهما.. أكره هذا الشعور ولا أدري ماذا أفعل.. خلاصة مشاعري تلك أنني أرى نفسي (رجلا ينهار)!!
أغلقت التلفاز وصعدت إلى الغرفة فوجدتها تكتب شيئا أشبه ما يكون باليوميات..
:ها كيف سرتي؟
:تمام.. أحسن
:أخدت الدوا؟
:ايوة دوبي..
:سمعتي الدكتور اش قال بكرة ما في دوام..
:الله يسهل
:طيب أنا طالع.. ويمكن أتأخر
:الله معاك..
:مع السلامة..
وخرجت من المنزل وأنا لا أدري إلى أين سأذهب.. أحسست بالضياع.. جلست على عتبة الباب أنتظر المجهول.. أخرج هاتفي وأتصل بـ(مريم) علها تخفف عني وهي التي كانت ولا تزال تفعل ذلك.. كيف لا وهي أقرب إخوتي لي.. لاسيما أنها أكبرهم..رغم أنها متزوجة لكنها تبقى دائما قريبة مني..
(طوووووط.... طووووووووط..) لابد أنها ستجيب.. يا الله.. (مريم) أرجوك أجيبي..
:ألوووووو (حمودي) كيفك؟
:أهليين (مريم) وحشتيييييييييني
:وانت كمان.. اش أخبارك؟ مع (سنا)
:تمام.. وانتي كيفك وكيفها (وعد)؟
:الحمد لله.. تسلم عليك هي وأبوها..
:الله يسلمهم..
:عندك هرجة..
:دايما تفهمي عليا..
:اشبك؟ خير إن شاء الله
:والله ما أدري يا (ميمي) بس.. أنا و(سنا) ما نعرف بعض..
:ايش؟ غريبة دي كيف يعني؟
:يعني............
صحيح أن شرح المشكلة طال.. لكن (ميمي) كعادتها فهمت ما أرمي إليه.. وعللته بأنها أولى فترات الزواج خاصة أنني و(سنا) لم نكن نعرف عن بعضنا البعض شيئا قبل الزواج.. ارتحت بعد أن تحدثت معها.. وعدت إلى منزلي منشرح الصدر..
****
استيقظت صباح اليوم التالي باكرا فقد كان عليّ أن أعد طعام الإفطار.. أوووف فعلا مهام النساء مرهقة..
ذهبت إلى المطبخ بعد أن أديت الصلاة.. وقررت ألا أذهب إلى الجامعة اليوم.. عليّ البقاء مع (سنا) حتى تستعيد عافيتها..  
أخرج الجبن والعصير من الثلاجة وأحاول الاجتهاد في أن أرتب الطاولة جيدا..
هاهي (سنا) تأتي مسرعة نحوي..
:(محمد) ما كويتلك البنطلون عادي لو لبست الجينز الأزرق؟
:طيب مو مشكلة..
:أووف الحمد لله..
:بس أنا ماني رايح الجامعة اليوم..
:ليش؟ ازا عشاني أنا الحمد لله سرت أحسن.. روح (محمد) ما عليك
:متأكدة؟
:ايوة.. روح
:خلاص نزليلي الملابس هنا..
:طيب
وفعلا ذهبت إلى الجامعة بناء على فكرة (سنا) فهي تبدو أفضل حالا اليوم..
أدرِّس محاضرتي الثانية هذا اليوم.. كم هي ثقيلة جدا على نفسي خاصة أنني لم أنم جيدا ليلة البارحة..
يرن هاتفي فأخرج خارج قاعة المحاضرات.. إنها (سنا) ترى ماذا تريد..
:ألو ايوة (سنا) اشـ......
تصرخ بنبرة مختنقة.!!
ويغلق الخط..
أعاود الاتصال بها فأسمع صوت تحطم زجاج..
أخرج من الجامعة مسرعا.. والجميع ينظر إليّ.. لا آبه بهم فقلبي يخفق بشدة.. أستقل سيارة أجرة وأذهب مسرعا نحو المنزل.. فتحت الباب وركضت بأقصى سرعتي نحو الطابق العلوي..وقفت على باب الغرفة.. شهقت وبردت أطرافي عندما رأيتها تجلس عند الزاوية.. وتبكي بشدة.. وزجاج النافذة مكسور والخزائن مفتوحة ومبعثرة..أسرعت إليها.. جذبت يدها..
:(سنا) اشبك.. (سنا) الله يخليك أهدي قوليلي اش في
وجدت أنه لا فائدة من الحديث معها لأنها لا تكف عن البكاء.. حملتها إلى الطابق السفلي علها تهدأ.. وكلما أردت أن أضعها على الأريكة كانت تتشبث بي أكثر..رأيت خوفا غريبا في عينيها وحاولت أن أكلمها علها تشعر بشيء من الأمان..
:(سنا).. (سنا) حبيبي.. خلاص ما في شي.. (سنا) الله يخليكي هدي شوية
كلما أردت أن أهدأها كان بكاؤها يزداد.. ربتت على شعرها حتى هدأت قليلا.. أرقدتها على الأريكة وجلست بجانبها.. فأغمضت عينيها واستسلمت للنوم..
تركتها بعد أن نامت وذهبت إلى تلك الغرفة.. أدركت أن لصا دخل إلى المنزل من نافذتها.. جلست على السرير أفكر في المصيبة التي حلت بنا.. كان يجب عليّ البقاء معها.. لكن قدر الله وما شاء فعل.. حمدت الله واسترجعت... رأيت هاتفها ملقى على الأرض.. رفعته ووجدت الخط لا يزال مفتوحا.. أغلقته وقررت أن أغلق هذه الغرفة فترة حتى يتحسن وضعها.. أخرجت جميع الملابس وكل ما نحتاج إليه ونقلته إلى الطابق السفلي..وخرجت من تلك الغرفة وأغلقت الباب ووضعت المفتاح في جيبي..
نزلت إلى الغرفة التي وضعتها فيها.. أحضرت غطاء وغطيتها به.. ورتبت الملابس داخل خزانة صغيرة هناك.. شهقت بقوة ونهضت من على الأريكة.. أسرعت إليها.. وضعتُ رأسها على كتفي.. حاولت أن تتحدث إليّ لكنها لم تستطع مغالبة دموعها.. 
:(سنا) حبيبي ارتاحي دحين.. بعدين نتكلم
ضربت بيدها على فخذها وهي تحاول أن تتحدث.. أحسست أن هنالك خطب ما..سألتها..
:اشبك؟
لم تستطع الرد عليّ !!
صرخت..
:(سنا) اشبك؟ اتكلمي..
عضت على شفتيها وأجهشت بالبكاء.. وأومأت لي بأنها لا تستطيع الحديث..
جثوت على ركبتيّ وانهمرت دموعي.. شعرت حينها بألم كبير يعتصر قلبي.. وأنا لا أسمع سوى أنين صامت.. وبكاء مرير...!
****
علمت فيما بعد من الطبيب الذي أخذتها إليه أن بعض الصدمات تجعل الشخص عاجزا عن الحديث مؤقتا، فطلب منا أن تبقى (سنا) في المشفى تحت إشرافه حتى تستعيد قدرتها على الحديث.. مر يومان على الحادث ونحن لا نزال في المشفى..
استيقظت صباح اليوم الثالث في هذه الغرفة الكئيبة.. وهذه الأريكة التي سببت لي تقوسا في الظهر!! وجدتها تقرأ القرآن.. فعلمت أنها أصبحت بخير بعد يومين قاسيين جدا لم تجف فيهما دموعها..
نظرت إلي وابتسمت فابتسمت لها..
:كيفك اليوم؟
أومأت إليّ أنها بخير.. أخرجت دفترها وقلما كانا تحت وسادتها.. اقتربت منها لأعرف ما تريد..
كتبت.. ( (محمد).. من اليوم ورايح إن شاء الله حكتبلك ع الدفتر دا.. )
:طيب.. على كدا خلي معاكي دايما.. تكتبي باليسار؟
أومات إليّ بـ(نعم)..
:أنا كمان أكتب باليسار
كتبت.. (أول قاسم مشترك.. غريبة صح؟)
:صح
كتبت.. ( (محمد) أنا جيعانة مرة.. كلم الممرضة تجيبلي شي آكلو)
:حاضر.. استني شوية بس

وأحضرت لها الطعام.. لا بد أنها جائعة جدا فقد كانت ترفض تناول الطعام في اليومين الماضيين..
أنظر إليها بعمق.. أنظر إلى قسمات وجهها التي بدت شاحبة جدا.. وأعود بالذكريات إلى يوم عرسنا.. كم كانت جميلة حينها.. وكم هي مختلفة الآن.. لاحظت أنني أنظر إليها.. أشارت إليّ أن أشاركها الطعام ففعلت..
أنهينا الطعام وذهبنا لنتنزه في حديقة المشفى.. أحضرت معها ذلك الدفتر الذي كانت تكتب فيه يومياتها.. نتمشى معا.. ونتسامر معا (على الورق) سبحان الله.. تغير الحال كثيرا بين ليلة وضحاها بعد الحادث.. أستغرب أننا أصبحنا نتحدث الآن إلى بعضنا أكثر من ذي قبل..
تشير إلى كرسي إلى جوارنا فنذهب للجلوس عليه..تكتب..
(خلاص (محمد) من بكرة روح الجامعة.. كم يوم صرلك غايب)
:يادي الجامعة.. عشان أريحك أنا أخدت إجازة.. بطلت أروح..
أشارت إليّ مستفهمة بـ(لماذا؟)
:عشان أنا قلت كدا.. ما أبغى أروح لمن أطمن عليكي
تكتب.. ( (محمد.. أنا هنا معايا دكاترة.. إن شاء الله ما حيسير شي)
:لا يا ستي قلتلك ماني رايح الجامعة.. لا تحاولي معايا

يرن هاتفها.. فتنظر إليه.. وتخفض رأسها.. أنظر إليه فأجد اتصالا من والدتها.. تكتب
(الله يخليك لا تقولها شي)
أستجمع قواي وأرد على تلك المكالمة..
:ألو خالة (نجوى) كيف حالك؟
تشير إليّ بأن أشغل مكبر الصوت فأفعل..
:الحمد لله تمام وانتو كيف حالكم؟ وحشتوني مرة
:والله الحمد لله يا خالة طيبين..
:عسى أموركم تمام مع بعض
:لا الحمد لله مرة تمام
:الحمد لله.. (سنا) جنبك أكلمها؟
:اممممم والله (سنا) في...... احنا دحين في المستشفى هي تعبانة شوية
:خير اشبها؟
:لا لا شوية أنفلونزا بس.. لا تشغلي بالك.. هي دحين مع الدكتور..
:طمني عليها حبيبي.. الله يخليك بس تخلص خليها تكلمني
:حاضر يا خالة سلميلي ع الأهل.. مع السلامة
:الله يسلمك يبلغ إن شاء الله.. مع السلامة
أنهي المكالمة وأنظر إليها، فتنظر إليّ بعينين دامعتين.. فأحتضنها مواسيا لها..
في مرة أرى فيها دمعاتها أشعر بأنني السبب فيما حدث لها وألوم نفسي كثيرا على تقصيري..
نعود إلى الغرفة.. وتأتي الممرضة لتتأكد من درجة حرارتها وضغط دمها وما إلى ذلك..
تخبرني الممرضة بأن ضغط الدم مرتفع.. وعليّ أن أجنبها الانفعال حتى يعود لطبيعته..
أعود إليها..
:(سنا) الممرضة قالت ضغطك مرتفع لازم ننزلو عشان تخفي يعني ما أبغى أشوفك تبكي مرة تانية..
أومأت إليّ بـ(نعم)..
يتصل بي صديقي (مختار).. أحمل هاتفي وأخرج من الغرفة
:ألو
:أهلين (مختار) كيفك؟
:والله الحمد لله.. انت كيفك؟ بقالك يومين ما بتجي الجامعة.. مالك؟ إن شاء الله خير
:آآآه.. والله يا (مختار) ماني عارف اش أقولك
:لالالا دي شكلها كبيرة انت وين هسا في البيت؟
:لا في المستشفى بس لو تبغا أجيلك
:خير إن شاء الله..طيب مستنيك ما تتأخر..
:خير لمن أجيك أحكيلك.. مع السلامة
أنهي المكالمة وأعود إلى الغرفة..
:(سنا).. أنا طالع عند واحد صاحبي بس ما حتأخر.. كلها ساعة إن شاء الله.. تبغي شي؟
تشير إليّ بـ(لا) وترفع يدها مودعة..
أقترب منها..
:(سنا) انتبهي على نفسك..لو في أي شي أعمليلي مسج..
وأذهب إلى (مختار) لأروي له القصة كاملة.. تأثر كثيرا بما حدث لنا، وأشار عليّ بأن أمهلها فترة أخرى ثم نعود إلى المنزل..
عدت إلى المشفى عند الظهيرة.. دخلت إلى الغرفة فوجدتها نائمة أطفأت الضوء وغطيتها وجلست إلى جوارها.. أبعدت خصلاتها عن وجهها وتأملتها بعمق رأيتها (سنا) لأول مرة بعد أن كنت أراها عبئا ومسؤولية حُمِّلْتها..!
يُطرق الباب.. فأذهب لأفتح.. إنه طبيبها السيد (أحمد صدام).. ألماني من أصل عراقي..
:مرحبا..
:أهلا
:ها طمني عساها زينة اليوم..
:والله تمام كانت تعبانة شوية الصباح بس دحين أحسن..
:يلا دير بالك عليها زين.. أنا وصيت عليها دكتور نفسي زميلنا هنا يشوفها كل يوم..
:جزاك الله خير دكتور.. بس حبيت أسألك متى تقدر تطلع؟
:يعني أسبوع وشوية إذا مشيت ع البرنامج مالها.. بس لين تعود تتكلم يبيلها وقت
:الله يسهل.. شكرا لك دكتور..
:عفوا.. قدامها العافية..
:الله يعافيك.. مع السلامة

أغلق الباب وألقي بجسدي المنهك على الكرسي.. وأفكر في الـ(أسبوع وشوية) التي سنقضيها بين جدران هذه الغرفة المملة..
ذهبت إلى المنزل لأحضر بعض الأغراض التي نحتاجها دخلت.. لا يزال كل شيء كما كان منذ الحادثة صعدت إلى الغرفة ورتبتها جيدا واستبدلت الزجاج المكسور بآخر جديد.. وعدت إلى المشفى..
طرقت الباب ودخلت.. فرأيت الممرضات يلتففن حول سريرها.. شعرت بالخوف وذهبت لأسأل الطبيب..
:خير دكتور اشبها؟
:والله الضغط جدا مرتفع سيد (محمد).. بس الحين ركبنالها مغذي
:اش اللي سار دكتور؟ قستلها الضغط قبل شوية كان كويس
:اهيا الظاهر لسا متأثرة بالصدمة.. لأنو قامت من النوم مفزوعة.. دير بالك عليها
:إن شاء الله
اقتربت منها..
:(سنا) اشبك؟ مو كنتي كويسة الصباح؟
أخفضت رأسها.. وأخرجت الدفتر.. كتبت..
(أنا كنت نايمة وقت ما نط من الشباك.. (محمد) أنا سرت أخاف أنام)
رأيت دمعاتها تتساقط على الدفتر..
:(سنا) حبيبي أنا أبغاك تنسي اللي سار وتفكري في اللي جاي نحنا لازم أول شي ننزل الضغط.. وبعدين
 نمشي ع البرنامج اللي حطو الدكتور عشان نطلع من هنا..
كتبت.. (إن شاء الله.. (محمد) خليك معايا)
:حأفضل معاكي دايما بس توعديني تمشي ع البرنامج..
أومأت إليّ بـ(نعم).. وكتبت..
(على فكرة أرسلت مسج لأمي)
:جيد..
(خايفة تحس بشي)
:إن شاء الله ما تحس.. بس لو اضطرينا حنقولها
رفعت عينيها إلى الأعلى وكأنها تدعو.. فأمَّنت مع أني لم أعرف ما كانت ترجوه..!
****
اليوم سنخرج أخيرا من هذا المشفى البغيض.. حاولت و(سنا) بذل قصارى جهدنا لنخرج سريعا من هنا.. ومضت الـ(أسبوع وشوية) ثقيلة جدا على نفوسنا..
أيقظتني (سنا) هذا الصباح..
فتحت عينيّ.. سألتها
:كيفك (سنا) اليوم؟
أومأت لي أنها بخير.. وأخرجت دفترها.. كتبت..
(دوبو جا الدكتور قاسلي الضغط وقال تمام.. كتبلي خروج اليوم)
:ايوة صح قالي أمس
(طيب اش رايك نفطر بعدين نروح؟)
:طيب على راحتك.. حننزل نفطر اليوم تحت في الحديقة
أومأت إلي بـ(نعم)..
نهضت ونظرت إلى الأريكة غير المريحة وقلت في نفسي.. اليوم سأرتاح منها إلى الأبد..
تناولنا طعامنا في الحديقة.. كان صباحا غائما وتوقعنا أن تمطر..
كتبت.. ( (محمد) شوف السما.. ما تفكرك بشي؟)
:مكة في الشتا
(وحشتني مرة)
:وأنا كمان.. الإجازة........
استدركت وصمتت.. فأنا أعلم أننا لن نتمكن من السفر في هذه الإجازة.. بناء على اتفاقنا
ترى كيف سيكون شعورهم إن علموا بأن ابنتهم أصبحت (خرساء).. عليّ أن أختلق عذرا أخبرهم به كي أعلل لهم عدم قدرتنا على العودة..
نبهتني وكتبت.. (أمور مادية يا (محمد).. قولهم عندنا مشاكل مادية صدقني حيقتنعوا)
فتحت عينيّ ونظرت إليها بدهشة..
:كيف عرفتي؟
كتبت.. (كنت جالسة أفكر اش حنقولهم.. ما أبغى أحد يعرف.. اش رايك؟)
:اوكي.. نقولهم (مشاكل مادية).. والله جبتيها.. ها خلصت فطور؟ عشان نطلع نجيب الأغراض
أشارت إلي بـ(نعم)..
أرى ابتسامتها تتقلص شيئا فشيئا.. لاشك أنها متخوفة من العودة إلى المنزل.. لكنها خطوة يجب علينا القيام بها لنختبر مدى فعالية العلاج..
صعدنا إلى الغرفة لنحضر أغراضنا.. وذهبنا لنودع الطبيب والممرضات اللاتي أصبحن صديقات لنا.. ركبنا سيارة أجرة وتوجهنا إلى البيت.. كنت أدعو الله طوال الطريق ألا تنتكس (سنا) عندما ترى المنزل..
ألحظ يديها ترتعش.. فأضع يدي عليها.. إنها باردة جدا.. ربما هو الخوف..
وصلنا إلى المنزل.. فنبهت (سنا) للنزول..
نزلت من السيارة ونظرت إلى المنزل طويلا.. همت بفتح الباب لكنها تراجعت.. أحاول تشجيعها..
:(سنا) يلا افتحي..
استجمعت قواها وفتحت الباب ودخلت.. كنت أراقبها في كل خطوة.. تقدمت نحو الدرج صعدت أول درجة.. ثاني درجة.. ثالث درجة ثم توقفت.. لم أجبرها على الصعود..
:(سنا) تعالي احنا حنجلس في الغرفة اللي جنب المطبخ..
نزلت من على الدرج وذهبنا إلى الغرفة المجاورة للمطبخ.. جلست على الأريكة وقمت أنا بترتيب الأغراض داخل الخزانة.. التفت إليها فوجدتها لا تزال ترتدي عباءتها..
:(سنا).. اشبك ما فصختي عبايتك؟
لم تلتفت.. يبدو أنها غارقة في التفكير لدرجة أنها لم تسمعني..اقتربت منها
:(سنا) ما سمعتيني؟.. اشبك لين دحين لابسة عبايتك؟
رفعت رأسها.. رأيت دموعها تسيل..
:(سنا) اشبك حبيبي؟
أمسكت بقميصي وبكت بحرارة.. تأثرت كثيرا ببكائها الصامت.. احتضنتها حتى هدأت.. وأمضينا ذلك اليوم في تلك الغرفة لأن (سنا) لم تستطع الخروج منها..!
****
بعد مرور أربعة أشهر ونصف على الحادث.. (سنا) أصبحت تجيد نطق بعض الحروف بعد جلسات من العلاج لكنها لا تزال تكتب على ذلك الدفتر.. اضطررنا لإخبار عائلتينا وكان وقع الصدمة كبيرا عليهم.. لكنها وعدتهم أنها لن تعود إلى الوطن حتى تتمكن من تجاوز هذه المشكلة.. صحيح أن (سنا) لم تتمكن من الذهاب إلى الجامعة لكنها أصبحت تستذكر ما فاتها في المنزل.. أحترم إرادتها القوية التي قد تتأثر أحيانا بلحظات ضعف لكنها تعود أقوى بكثير..
هذا اليوم استيقظت من قيلولتي ولم أجدها في الغرفة.. ربما هي في الحمام ذهبت لأبحث عنها فلم أجدها.. هل صعدت إلى الطابق العلوي؟.. لا أظن ذلك.. لكنني سأصعد..
دهشت كثيرا عندما رأيت باب غرفة النوم مفتوحا.. دخلت فرأيتها تنظر من نافذة الغرفة..
:(سنا).. مسا الخير
التفت إليّ..
:وين لقيتي المفتاح؟
أخرجت دفترها من جيبها..
كتبت.. (في الدرج)..
حاولت التحدث..
:التاني.. ليش خـ.. خـ.. خبيتو؟
:خايف عليكي..
ابتسمت بحياء.. وذهبت لتعد الطعام كنت سعيدا جدا لأنها استطاعت نطق بعض الكلمات.. لكني لا أزال أنتظر اليوم الذي ستنطق فيه اسمي بطريقة صحيحة.. جيد أنها تغلبت على عقدتها من تلك الغرفة.. أشعر بالسرور كثيرا لأني لم أعد أنتظرها عند باب الحمام وأبقى مستيقظا حتى تنام.. وأظل معها دائما.. وأظن أنها تشعر بذلك أيضا..
أنهينا طعامنا وقمت لأجلي الصحون هذا اليوم فهو دوري حسب الجدول الذي اقترحتُه.. أفكر في حياتي التي عادت إلى الانتعاش مرة أخرى والاستقرار الذي كنت أفتقده في منزلي رغم أن الجميع يحيطون بي.. لكنني علمت الآن أنني كنت أفتقد نفسي وقد وجدتها رفقة (سنا)..
يرن هاتفي..
:ألو.. نعم
:أهلين (محمد) كيفك؟
:الحمد لله.. عفوا مين انتي؟
تنبهت (سنا) وبدأت تصغي إلي.. 
:أووف معقول ما عرفتني..
:آسف.. ما ميزت الصوت مين؟
:أنا (روان)!!
:مين (روان)؟
:(روان) بنت خالك..!

صمتتُ من هول الصدمة..
:ألو.. (محمد) سامعني؟ ألو
:ها؟ ايوة.. سامعك..
:كيفها (سنا)؟
:تمام الحمد لله..
:سلملي عليها.. كيفك انتا؟
:الحمد لله..
:خالك يسلم عليك..
:الله يسلمو سلميلي عليهم كتير
:طيب.. ما أبا أطول عليك.. بس كنت بطمن على (سنا)..مع السلامة
:الله يسلمك..مع السلامة

لا أنكر أن قلبي رق.. وذاكرتي عادت بي إلى تلك الأيام عندما سمعت صوتها.. لكنني طردت كل تلك الأفكار فهي الآن (كوابيس) مزعجة بالنسبة إلي..
:مين؟
:هادي (روان) بنت خالي.. تسلم عليكي..
أعلم أن (سنا) استغربت هذا الاتصال لكنها لم تشك بعلاقة كانت تربطنا.. جلست أفكر في دوافعها للاتصال بي.. لماذا هذا اليوم بالذات بعد مرور الكثير على زواجنا.. ربما رغبت في الاطمئنان على (سنا).. على العموم.. لا يهمني أن أعرف ما تفكر فيه.. لأنني بت أشعر الآن بمعنى أني (مرتبط).. !
مضى ذلك المساء ببطء وأحسست بالوحدة لأن (سنا) كانت تستعد لاختبار الغد.. أثق بقدرتها على الحصول على علامة جيدة وأتمنى لها ذلك فهي هذا المرة أكثر جدية من كل المرات السابقة..
****
أنتظر عودة (سنا) من الجامعة وأفكر في مخطط نفعله هذا اليوم فهو آخر أيام اختباراتها التي دامت أسبوعين أنظر إلى صورة عرسنا وأتذكر مشاعري حينها وكأني كنت مجبرا على الوقوف إلى جانبها.. واليوم أتمنى أن يعود بي الزمن لأبتسم بسمة فرح..
طرقت الباب..
:مـ مرحبا
:أهلين (سنا)
:كيفك (مــ مـــ حمـ مــ ـد).. (محمد)؟؟؟؟
نهضت مسرعا نحوها.. قبلت رأسها وتعانقنا طويلا وانسابت دموعنا..
وعادت قيمتي بعودة حروف اسمي إلى لسانها.. عندها عدت إليّ!!..



أيها القدر..
طلب صغير..
هلا وضعت كل محمد بين أحضان سناه !!
****



محمد ناجي..


(عاد الزوجان إلى قلوب بعضهما واستعادا حياتهما..

مرت السنين ورزقا بـ(ناجي) و(نجوى)..
تمكن (محمد) من التخلص من عقدته
في قيادة السيارة..
واستقر في (ألمانيا) مع زوجته بعد أن تحصلا
على شهادة الدكتوراه وهكذا عاد بطلنا إليه!! )..

بذور البيض!!
لم تكن براءة على دراية كاملة بما تريد أن تكون في المستقبل، لكنها طفلة ذكية وتحب الحيوانات والنباتات فهي تعتبرها مخلوقات غامضة وتحاول اكتشاف الكثير عنها
أمي..لم يملك الأرنب أسنان طويلة؟ولم يتمكن الجمل من العيش في الصحراء لفترة طويلة؟ ولم للتمساح أشواك في ظهره؟! و......و........وغيرها الكثير من الإستفهامات التي تطرحها على والدتها التي تجيبها بما لديها من خبرة ضئيلة في هذا المجال الذي تحبه ابنتها.
ذات يوم وبينما كانت أم براءة تعد لابنتها الوحيدة طعام الإفطار تفاجأت بابنتها تحمل قطتها وقد ربطت قدميها بشريط لاصق معا!!
صرخت الأم:براءة..ما هذا؟
براءة:ألا ترين يا أمي أنني أريح القطة من عناء الحركة؟ فكرت أنه لو ألصقت قدميها معا حتى أعود من المدرسة فسترتاح من الحركة وستصبح طاقتها أكبر عندما أفك الشريط اللاصق لأنها ستوفر الطاقة عندما تكون قدماها ملصقتين!!
ردت الأم:لا يا صغيرتي فكي الشريط اللاصق عن القطة، إنها معتادة على الحركة ولا يجب أن نمنعها منها لأنها ستموت..كل حيوان يا صغيرتي متكيف على نوع معين من المعيشة فلو منعنا السمك من المياه فسيموت وكذلك القطة..
قالت براءة: حسنا يا أمي سأفك الشريط عن القطة لأنني لا أريدها أن تموت..
قالت الأم:أحسنت يا براءة
لم تكن هذه المرة الأولى التي تفكر فيها براءة بفكرة كهذه فلطالما فكرت براءة بقطع أذني الكلب كي لا يزعجه صوت مسجل الجيران!!، ولطالما أخبرت والدتها بأنها تريد أن تطعم السمكة طعام القطة كي تنمو لها مخالب وأظافر حادة!!
كان على الأم أن تراقب ابنتها ذات الخمسة أعوام في كل وقت كي لا تقدم على فعل شيء كهذا، ورغم أن والدتها تقنعها دوما بأن ما تفكر فيه غير صحيح، إلا أن براءة تصر على أنها تقدم خدمات جليلة للحيوانات!!
 يوم آخر تقرر فيه براءة عمل شيء جديد لكنه هذه المرة من نوع مختلف، ذهبت الصغيرة إلى والدها هذه المرة، وبما أنها تحب الزراعة قررت أن تخبر والدها برغبتها في الزراعة..
قالت براءة:أبي هل يمكنني أن أزرع في حديقة منزلنا؟؟
رد الأب:وماذا ستزرعين فيها؟
قالت براءة:ممممم،،طماطم، وتفاح،و.......دجاج!!
قال الأب:ماذا تعنين بــ(دجاج)؟!!
ردت براءة:سأزرع دجاجا يا أبي وسأحتاج إلى (البذور البيضية!!) كي أكمل العمل بنجاح!!
ضحك الأب مليا معجبا بخيال ابنته الخصب وقال:أخبريني يا صغيرتي الذكية براءة كيف ستزرعين الدجاج؟؟
ردت براءة:حسنا يا أبي بما أنك لا تعرف فسأخبرك..احمم..أولا:نشتري بيضا من المتجر ونزرعه في تربة صالحة للزراعة فإن زرعناه أفقيا حصلنا على دجاجة،وإن زرعناه عموديا حصلنا على ديك،ثم نسقيه بالماء ونعرضه لضوء الشمس ونهتم به جيدا فتخرج لنا ديك أو دجاجة كبيرة وسمينة،،فقط!!
قال الأب:إذا ما رأيك أن نجرب هذه الفكرة؟!
ردت براءة:هل أنت جاد يا أبي،،بكل سرور هيا قبل أن تغير رأيك..
ذهب الأب مع ابنته وهو يعلم بأن هذا شيء مستحيل لكنه أراد أن يفهمهما ذلك بطريقة عملية،، أخذت براءة البيض وزرعته في حديقة المنزل واهتمت به لأسابيع لكنها لاحظت أنه لم يحدث شيء للبيض بعكس المزروعات الأخرى، فذهبت إلى والدها مرة أخرى وقالت: أبي لم يحدث شيء للبيض ولم يصبح دجاجا حتى الآن..ماذا أفعل؟؟؟
قال الأب:إنه لن يصبح دجاجا أبدا يا بنيتي،،اسمعي يا براءة إن البيض لا يزرع وينتج الدجاج، لكنه...
صرخت براءة: ماذا؟!! وماذا عن مزارع الدجاج يا أبي أنا لم أعد أفهم....
رد الأب:اصبري يا براءة سأفهمك..إن مزارع الدجاج يا صغيرتي صنعت لتفريخ الدجاج..ماذا يعني تفريخ الدجاج؟؟أليس كذلك؟
ردت براءة ضاحكة:نعم
قال الأب:حسنا..الدجاج يا براءة يتكاثر بالبيض،أي أنه يبيض وفي داخل البيضة يكون الصوص فينقل بعض بيض الدجاج إلى المزارع كي يستخرج منه صغار الدجاج. أعرف أنك تريدين معرفة كيفية استخراج الصغار..أليس كذلك؟
ردت براءة:نعم يا أبي
قال الأب:حسنا..ما رأيك أن آخذك إلى إحدى مزارع تفريخ الدجاج كي نشاهد ذلك مباشرة؟
ردت براءة:واااااااوو.. شكرا جزيلا لك يا أبي..
وذهبت براءة مع والدها إلى إحدى مزارع الدجاج، وفهمت أن الدجاج لا يزرع، وإنما يتكاثر بالبيض..





القصة مستوحاة من قصة حقيقية  لطفلة
اختيرت هذه القصة للمشاركة في معرض (ألوان موهوبة) بمدارس التقوى الأهلية بجدة 16 /5/ 1430هــ 

عباد المستديرة!
أيها القارئ النبيه..
لا تستغرب العنوان..
فأنا أناقش به قضية مقلقة..
تشعرني بأن يوم القيامة اقترب..
نعم.. فقد صارت هموم الناس سخيفة ساذجة!!
لا ترتبط بالواقع..
بل بالخيال البعيد..
دعني أقرب لك الصورة،،
ما معنى أن يصبح كل هم الناس كرة مستديرة الشكل؟..
يلهثون خلفها كالكلاب الضالة؟!
ثم ما إن يعثروا عليها حتى يبدؤون بتبادلها بينهم وبحذر حتى لا تقع في أيدي الفريق الآخر..
أعلم أنك ستقول أنها لعبة..
وسأقول لك أنت محق..
لكني هنا لا أتحدث عنها كلعبة..
بل أتحدث عنها كهاجس..
لقد دبت المشكلات واستفحلت كالسرطان في رئات الدول الشقيقة..
وكل ذلك بسبب مباريات سخيفة لا فائدة ترجى منها..
عد بذاكرتك إلى حدث مهم..
نعم صحيح..إنها تلك المباراة الحاسمة بين مصر والجزائر..
لمْ تعطَ هذه المباراة أهمية إلا بعد المشكلات التي حدثت بعدها..
صخب وثرثرة أثيرت حولها..
ثم أغلق الستار..
ليطوي صفحة موجعة لمشكلة تافهة حدثت بين شعبين..
هل علمت الآن أيها القارئ لم قلت أن الناس يلهثون خلف تلك الكرة كالكلاب الضالة؟
أفهمت الآن لمَ كانت سبب مشكلات كثيرة وقعت بين شعوب وأفراد؟
ستقول أن الكرة مظلومة في هذا المقال..
فأقول لك أنت محق..
سأنصف الكرة فهي لعبة لطيفة في يد من يجيد استعمالها..
وهي كذلك كارثة كبرى في يد من لا يجيد استعمالها..
فالعيب هنا في الناس وليس فيها..
لذلك قلت أنهم عبادها وليسوا عشاقها كما يزعمون..
أود أن أعود لمشكلة مصر والجزائر..
هل تعلم أيها القارئ أن المشكلات بين الشعبين لا تزال قائمة حتى يومنا هذا؟
ستقول هنا أنني مخطئة..
فأقول لك أنني محقة..
فالمشكلات التي أشير إليها ليست مشكلات بين الفرق فحسب..
بل هي مشكلات أمة تؤدي إلى التناحر في حين تحتاج أمتنا إلى التكاتف..
لأن ردود أفعال الناس ما بين مؤيد للجزائر أو لمصر..
إذا فسينتج من التأييد والمعارضة أحزاب..
وهذا ما لا نريد جميعا لأننا لا نحتاج أناسا يعبدون الكرة..بل نحتاج إلى من يعتبرونها رياضة..لا هاجس..
أفهمت الآن أيها القارئ ما أرمي إليه..
إذا فأنا أوقن أنك ستقف في صفي فأنا أنصفت الكرة حق الإنصاف..

      2010/7/17

إنها أمة المصطفى


إنها أمة المصطفى..!
إنها أمتنا..أو أمة محمد r..
لكن السؤال هنا،،هل ندرك نحن ذلك؟؟
هل يدرك المسلمون والعرب خصوصا ما معنى أنهم أمة محمد r ؟؟
من الواضح أنهم لا يدركون ذلك بتاتا،،أو أنهم يتناسون أنهم من هذه الأمة،،أو ربما يندبون
حظوظهم لأنهم كانوا من هذه الأمة!!
أتعرفون لماذا؟؟
لأنهم أرادوا العيش كالأنعام أو أضل..
لأنهم لا يريدون الشعور بمعنى المسؤولية الدينية الحقة..
هل يدركون ما معنى أن يحتفلوا بعيد الحب؟؟
وهل يدركون ما معنى أن يتناولوا النبيذ؟؟
إنها هزيمة نكراء للعرب المسلمين..
*****
منا حكام يدعون أنهم سياسيون..
لكنهم في الواقع لا يدركون من السياسة سوى عبارتي الوحدة الوطنية،واستئنافات السلام!!
هل يدركون أن الحكم مسؤولية كبيرة انتكس منها العظماء..لأنهم علموا أنهم سيحاسبون أمام الله جل وعلا..
لأنهم عرفوا أنهم سيسألون عن الجميع..
عامة الشعب..
الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون..
وكذلك الأغنياء الذين حازوا على مناصب رفيعة بالغش والدهس على حقيقة أنهم
لا يستحقون ما يجنون من أموال، ولو قارنوا جهودهم بما يجنون لوجدوا ما يدهشهم..
*****
منا كثير ممن قدر له أن يتحمل مسؤولية كبيرة..
مسؤولية التربية والتعليم..
لاحِظوا أن كثيرا من الدول العربية المسلمة بالتحديد قدمت التربية على التعليم نصا لا نهجا..
وذلك مترسخ في دور التعليم بطريقة مؤسفة حقا..
كثير من المعلمين ارتبطوا بالتعليم ارتباطا فارغا من أي معنى للمسؤولية..
ارتباطا يوجب الشعور بالفخر لازدياد رواتبهم..ليس إلا..
لم يفهموا أن التعليم إخلاص،، حب،، والأهم من ذلك أنه حوار بين معلم وطالب..
لم يدركوا ما قد يصنعه المعلم من إبداع..
لم يفقهوا أن العظماء صنعوا بيد معلمين مهرة،، أبدعوا وأنجزوا فكان ما فعلوا شاهدا على تميزهم
حتى يومنا هذا..
لم يعلموا أن المعلم ليس مجرد شهادة.. ليس مجرد رسالة دكتوراه أو ماجستير..
نعم ربما كانت هذه الوسائل مهمة..
لكن معنى أن تكون معلما هو أن تكون قيمة راسخة في قلوب طلابك..
أن يروا فيك التميز والوفاء والأهم.. الإخلاص والإتقان..
***
ومنا من ولي إنقاذ حياة البشر بتضميد جروحهم..
لكنه لم يفهم أصلا معنى الحياة!!
لم يدرك أبدا ما يتطلب فعله كطبيب..
أو لا يملك قلبا يؤهله لأن يكون كذلك..
*****
آسَف عليك أمة محمد صلى الله عليه وسلم..
آسَف على دهور مضت من عصور الأوائل كادت تكون دفعة لنا لولا وجود هذه الأصناف
في المسلمين العرب..
وآسَف على أنني عربية!