الخميس، 1 ديسمبر 2011

حصار الشعب المدرسي!!


حصاااار الشِعب المدرسي!!!
- ياااال فرحتي..الحصة فرااااااغ يا بنات!!
هكذا صرخت صرخة مدوية معلنة بداية (45) دقيقة من ذلك اليوم المزدحم دونما دراسة!!
أهمس محدثة نفسي:بدأ وقت المرح يجب على الفتاة الذكية مثلي أن تستغل هذه الفرصة الذهبية وتذهب لشراء ما يحلو لها من أصناف المئونة المدرسية (كما أسميها)..وأذهب فورًا لأستأذن من المعلمة ذات أسوأ الحظوظ، التي أجبرها فراغها المقيت من البقاء لحراستنا كالأطفال في فصل 1/3م، أهمس بكل أدب      
 
- معلمتي.. هل بإمكاني الذهاب لشراء الـ....،أقصد بعض الحاجيات التي تسهم إسهامًا فاعلًا في دفع عجلة التطور المدرسي لطالبة مدرسة التقوى؟!
تجيب تلك المعلمة: -تفضلي يا صغيرتي..من ستذهب معك؟؟
أجيب وبكل ثقة:صديقتي ذات الذكاء الفذ ..(رناد)..
قالت تلك المعلمة متوعدة: هيا بسرعة وإن تأخرتما في العودة فــ.......
أكمل:نعم يا معلمة سأعاقب وأوقع على مخالفة في ذلك السجل البني الكبير أو ربما ورقة التعهد..صحيح؟؟
تقول المعلمة معجبة:جميلٌ أنك تعرفين هيا إذًا بسرعة و..........
يقطع صوت وفاء حديث المعلمة بسؤال:إسراء..هل أنت ذاهبة للشراء..تفضلي اشتري لي (جالكسي الأحمر)..
أجيب: حسنًا..إلى اللقااااء يا معلمة..
أتسكع في الأسياب كعادتي لكني أتذكر حديث المعلمة بشأن العقاب فأقول لـ(رناد):هيا يا سمينة تحركي قبل أن نوقع على المخالفة في قلب مكتب المعلمات التاليات: فاطمة ساب ،حنان باسيف،نجوى زحيمان!!
ننزل درجات ذاك السلم الطويل نمر بمكتب (أبلة حسنة) نلقي عليها التحية ونمر
بكل خيلاء مستغربات عدم سؤال أبلة حسنة عن مكان ذهابنا بالتحديد..لكن..لكن توقعاتنا خابت، هاهي أبلة حسنة تسأل: -إلى أين أنتن ذاهبات؟؟
فأجيب أنا: -إلى المقصف للشراء..
فتقول: -ألم تسمعن بمنع الذهاب للشراء؟؟
فأجيب أنا أيضا: -لا للأسف.. وأكمل المسير باتجاه المقصف..
توقفني أبلة حسنة عن الذهاب قائلة : -إذا ها قد سمعتن الآن..ممنوووووووع..!
نجر أذيال الخيبة ورؤوسنا تكاد تسقط من الأسى الذي نظهره بعد منعنا من شراء المئونة المدرسية..ونصعد مرة أخرى درجات ذلك السلم الطويل الذي بدا أكثر طولا من ذي قبل..تهمس رناد: -يال القانون الجائر، لم يسمح لبنات المرحلة الثانوية الفاشلات بالذهاب إلى الشراء دون منع أو حتى سؤال نسعد نحن إن لم نُسأله؟؟؟؟
أجبتها: - لا أدري..
عدت إلى الفصل ورأيت المعلمة ذات الحظ السيء ورأسها أجزم بأنه يكاد ينفجر
أنظر إلى وفاء التي بدا وجهها أحمرا حمرة الطماطم من الغضب الذي أعلم أن سببيه اثنين الأول: أنني تأخرت عنها والثاني: أنني لم أحضر لها جالكسي الأحمر..!
سألتني وعينيها تشتعل من الغضب:-أين جالكسي
الأحمر؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!
فأجبتها وبكل هدوء:-لقد منعتنا أبلة حسنة هداها الله من الذهاب إلى المقصف للشراء لأنه قد منع ذلك...
لم تستطع وفاء الكلام لأن هذا القانون قد نفذ وأي قانون ينفذ في مدارس التقوى الأهلية للبنات بجدة بالمملكة العربية السعودية لا مجال للمناقشة فيه..
جلسنا ننتظر وننتظر وفي كل مرة أذهب للمطالبة بحقي في الشراء دونما جدوى أو حتى قبول يذكر..
وها نحن نجلس ونجلس وننتظر حتى يفك حصار التقوى ونحاول المناقشة والجدال مع المسؤولات عن ذلك ولكن هذا القانون لم ينتهي عمره الافتراضي حتى الآن...
حقا إن انتظار فك الحصار صعب ولكننا عزمنا على فكه وبأي طريقة كانت..
فنحن بنات التقوى...... والأجر على الله..!!...!...

أمنية أخشى استحالتها!


بين ضجيج الحياة وزحام المشاعر أجدني معلقة لا أقوى على الإفلات.. يحيط بي اليأس من كل جانب،، لكني أصر على أن الحياة برمتها لا تمثل أهمية بالنسبة لي بقدر ما يمثل "أحمد" و"بشرى" هذه الأهمية فهم أبنائي الذين أكافح من أجلهم..
أراني مجبرة على فعل الكثير مما لا أطيق.. من أجلهم فقط كيلا يشعروا بالعوز الذي أشعر به أنا..
أحبهم أكثر من نفسي لأني أرى فيهم الأمل الذي لا أراه في نفسي التي شاخت من الأنين رغم أني في بداية الثلاثينيات..!
أكثر ما يؤلمني هو أننا نعيش الحياة مرة واحدة فقط، لا نُمنح بعدها فرصة أخرى لتبديل الحزن بالسرور الذي طالما ادعيت أنني أشعر به..!
أعلم أن العالم كله لا يشعر بما أشعر به، ولا يمر بمثل ما أمر به من معاناة وإحراج مؤلم لأنه قدر لي أن أكون.. " زوجة سجين أدين في قضية ساذجة لا يعرف تفاصيلها هو نفسه!! "
بت أختبئ وطفليّ من الأقدار لكننا في الوقت نفسه ننتظرها بقلق.. نرجو منها إطلاق سراح أحبائنا كي نعيش ما بقي من حياتنا بسعادة.. نتمنى أن تمنحنا الأمل ولو للحظة.. نتمنى منها أن تحقق جزءا مما بقينا نرجوه طويلا...
أعلم أن ما نرجوه لن يتحقق بسهولة وأعلم أن أمانينا في عودة "عمر" تبدو مستحيلة، لكني أبصر وطفلي بصيصا من نور وسط العتمة.. ذلك النور الذي نتلهف لرؤيته قريبا منا ينير لنا دربا أصبح مليئا بالأشواك القذرة التي تعيق وصول "عمر" إلينا..
ما يزيد آلامنا هو تلك الاعتقالات الغريبة التي باتت هاجسا يدفعنا إلى التنقل من مكان لآخر ودفع أغلى ما نملك  للحصول على مكان آمن نعيش فيه بعيدا عن تلك الاتهامات التي جعلت مني وطفليّ مجرمين قتلة كما جعلت من "عمر" مجرما خطرا..!
أحمل في داخلي ألما أقوى من أن يحتمل، ألما يعصف بأحلامي وأحلام صغيريّ مرة تلو الأخرى..
أصبحت أتخبط بحثا عن سبيل يوصلني إلى "عمر" الذي لم يره أبناؤه بعد،،
أريد أن أسمع العالم صوتي، أريد أن أصرخ عاليا وأخبر الجميع أن "عمر" لم يقتل أحدا،، أريد أن أصحو من هذا الكابوس المزعج وأريد أن أرى ولديّ يعيشان بأمان مع والدهما.. أتمنى أن نجتمع معا أسرة واحدة بعيدا عن اتهامات الإعلام الساقط...!

ويظل سؤال "أحمد" و"بشرى" الذي يوجعني بعمق يستمر...
(ماما.. بابا متى حيجي؟؟!)

سأرثي السودانين الأسمرين


سأرثي السودَانَين الأسمرَين!
ها أنا أستيقظ في صباح يوم جديد في بلاد المهجر، وكلي شوق إلى أرض الوطن لكن ما حدث بالأمس قلص ذاك الشوق ووسع دائرة البعد..
أذهب إلى مدرستي مثقلة بالأوجاع.. أفكر فيما قد يحدث لوطني بعد ذاك الخطب الجلل، وأفكر أيضا في احتفال يوم الغد بسفارتنا هنا والذي سأقدم فيه أغنية بعنوان [أنا سوداني].. وأفكر في أنني لن أشعر غدا بالحماس بل سأغني بفتور وألم.. سأغني وأنا أشعر بأن جزءا مني تمزق كما تمزق الجنوب.. سأغني وأنا أشعر بأن هذا الوطن بيع بيعة قذرة قبض ثمنها أولئك القادة الذين لم يضعوا حسابا لمشاعر شعب تمزق، وهوة اتسعت..سأغني وأنا أفكر بخريطة بلادي الجديدة، خريطة ستبدو بائسة مقطعة الأجزاء..
يمر يومي ثقيلا على نفسي وأنا أتمنى لو أن أمرا ما يحدث ويمنعني من الذهاب غدا للاحتفال لكن..لا شيء حتى الآن.

يا إلـهي..إنه يوم الخميس.. سأذهب إلى الاحتفال رغما عني فلا يمكنني الغياب عن احتفال كهذا خاصة أن القناة القومية السودانية ستصور الحدث.. أصل إلى موقع السفارة متأخرة بعض الشيء لكن لا بأس ففقرتي هي السادسة وهناك وقت كافٍ قبل الفقرة.. توصيني أمي بالثبات وتجاهل الجمهور، والأداء بإخلاص، واستشعار معاني الكلمات لكنني أجد في ذلك صعوبة علي فمشاعري تختلط بين الخوف والألم والرجاء بأن يحدث شيء يمنعني من الصعود إلى المسرح..
مر الوقت سريعا وها أنا أصعد إلى خشبة المسرح والدموع تملأ عينيّ الكسيرتين.. أجذب مكبر الصوت وأصر على أن أبوح بما في داخلي، فأقول: (أيها السادة الحضور لن أغني هذا اليوم بسرور كما اعتدتم وبلادي ممزقة.. لن أغني اليوم أغنية الوحدة وبلادي مشتتة.. سأغني بكل وجع وحرقة..سأغني أيها الجمهور ودموع الأسى تعلو وجهي.. سأغني وسأظل أغني ولكن ليس بذلك الحبور الذي اعتدته..وسأعود إلى بلادي ذات يوم وأرثيه.. سأرثي النيل والطمبور، سأرثي الأبنوسة والنخلة، سأرثي الشمالي والجنوبي..سأرثي السودانَينِ الأسمرين).
25/8/1432
وأبدأ بالغناء باكية: 
(كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتخر..................)
وهاهي الدهشة والإعجاب ترتسم على وجوه جميع من في القاعة، لكنهم جميعا صفقوا لي بحرارة، وهذه أمي تصفق معهم باكية هي الأخرى.. متأثرة بحديثي النابع من قلب مغتربة أوجعتها الفرقة..

منيرة


-سحر: (منيرة)..اشبك سرحانة؟؟.. (منيرة).. منيروووه!
  اشبك؟؟ تفكري في مين؟!....قولي لاتستحي..
-منيرة: أقول ذلفي هو في مجال أصلا يصير شي كذا؟!
-سحر: ليش اشفيها يعني؟؟ كل البنات تحب وتنحب.. وانتي حلوة اش ناقصك؟
-منيرة: المشكلة مو بفيني.. المشكلة في أبوي..
***
في كل مرة نتحدث فيها مع (منيرة) بلهجتها البدوية، نفاجأ بلفظ غريب، فتارة نسألها عن معناه، وتارة نضحك، وتارة نقلدها، لكننا جميعا نصمت عندما تقول (أُبوي)!!
والدها رجل ذو شخصية غريبة نرى تأثيرها على (منيرة) ابنته الوحيدة من زوجته الأولى، والتي لم تخبرنا (منيرة) عنها، سوى بعض الأحداث البسيطة التي تتلاشى ربما من ذاكرتها شيئا فشيئا..
الجميع متعاطف معها لكنهم ربما لا يبدون لها ذلك، فهي إنسانة طيبة، مرحة، اجتماعية وغير مبالية، كثيرا ما أنتقدها على اللامبالاة التي تملكها، وأحاول أن أساعدها أنا وبقية (الشلة) لكنها تبقى تردد عبارتها الشهيرة: (المشكلة مو فيني.. المشكلة في أبوي)، ثم تتبعها بـ: (غيرو السالفة)!   اعتدنا على تلك الشجارات التي تكون هي ضحيتها الأولى.. المدرسة، البيت، تعاملها الفظ مع زوجة أبيها، وشك والدها الدائم، هو ما يخلق تلك المشكلات، مع أن والدها يحبها ويرى فيها صورة والدتها توفيت عند ولادتها..
ربما العادات الخاطئة، والأفكار الغريبة التي لا تبرح عقل والدها هي دافع تلك المشكلات، لكن المشكلة الأكبر أن (منيرة) باتت إنسانة يائسة من كل ما في الحياة، فهي تعلم أن كل ما ينتظرها في المستقبل هو بيت زوجها، عدا إن حدثت معجزة ما وتغيرت أفكار والدها الغريبة!
***
نلتقي جميعا في المدرسة بعد إجازة منتصف العام، أسبوع واحد والجميع عادوا إلى العمل، والدراسة بنشاط وهمة، عدا (منيرة) فمستواها الدراسي بدأ بالتراجع شيئا فشيئا، قررت التحدث معها بجدية هذه المرة، وطلبت منها أن توضح لي الأسباب الحقيقية لذلك التراجع، دون أن تلقي باللوم على حالها، فأفصحت أخيرا.. بدأت تروي لي تلك الحكاية التي بدت عادية إلى حد ما أو ربما لم تقنعني تلك الأسباب حتى كشفت عن السر قائلة: (أبوي يشك فيني يا سحر..يشك إن لي علاقات مع عيال)، وبدأت بسرد الحوادث التي وقعت معها، حتى انتهت بالبكاء، وارتمت في حضني وكأنها لم تشعر بحنان من قبل..
كثيرا ما تقول لي: (احمدي ربك أبوك يخليك تروحين السوق وقت ما تبين.. أنا أروح الظهر بس.. أبوي يقول انه يخاف علي، بس أنا ما أحسه خوف..إلا شك)!، أو تقول (انتو مجتمعكم غير يا سحر..أنا بدوية، أبوي متمسك بعاداته المتخلفة حمدي ربك)، وكثيرا ما أتساءل أنا: هل كون الشخص (بدويا) يمنعه من ممارسة حياته بحرية؟؟، أم أن كونه (بدويا) يبقى كلعنة سيئة تعيقه عن التطور؟؟ كل تلك التساؤلات التي تدور في ذهني تجد الإجابات عند (منيرة) التي تجيب بالإثبات بحسرة، وخوف، وقلق مما ينتظرها في المستقبل، أو ربما من تبعات كونها  (فتاة بدوية)..
 ***
-سحر: 80,00 % يا (منيرة)؟ اشبك؟؟ ما زاكرتي؟؟ منتي فاهمة؟؟
-منيرة: خلالالاص يكفي بسك تريقة
-سحر: ما أتريق يابقرة أنا مصدوومة منك،على أساس حترفعي النسبة مو تنزليها
-منيرة: اسكتي يا بنت غثيتيني، سامعة اسمي ينادي أبوي جا.. مع السلامة
-سحر: مع السلامة.. روحي الله يستر أبوكي ما يكفخك!
لا أزال مصدومة حتى اللحظة منها، 80% كنا ننتظر أن تتفوق مرة واحدة في حياتها، الكل كان يعلق الآمال عليها، الكل كان ينتظر منها الأفضل، لكنها خيبت آمالنا ولم تبالي وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن هذه النتيجة المخزية لا تساوي عندها شيئا، كل ما أصبحت تخشاه هو غضب والدها وما سيقوله الناس عنها، وكيف ستواجههم..
بت الآن أرثي (منيرةً) كانت مثابرة ولو قليلا، كانت مفعمة بشيء من الأمل، شيء من النضارة، لكنها صارت الآن إنسانا بلا روح، صارت حياتها (على البركة) كما تقول، والمصيبة أنها لم تفكر يوما بشيء من التغيير، لأنها موقنة تماما أنه لا مجال لذلك مع والد يرتب أمور زواجها منذ الآن، وزوجة أب تود التخلص منها في أقرب فرصة، ومجتمع يفرض عليها الزواج وهي لم تكمل الثانوية..
***
ألاحظ تغيب (منيرة) الكثير هذه الأيام خاصة في الأسبوعين الأخيرين.. فأسألها عن سبب تغيبها وتجيب بذلك اليأس المعتاد: طفشاااانة يا (سحر)، وبعدين ليش تبيني أجي؟؟؟ أصلا ماراح أستفيد شي من المدرسة حأتزوج بعدين وما حستفيد شي من الشهادة يا شيخة خليني أغيب والله ونااااسة..
- وناسة ايش يا (منيرة) اشبك مو قلنا حتتصلحي الترم هادا؟؟
- لا ما راح أتصلح وما أبي أتصلح.. (غيري السالفة) لو سمحتي..
وهكذا لا شيء ينتج من الحوار معها عدا (غيرو أو غيري السالفة)..
مرت الأيام وقد أزف موعد اختبارات نهاية العام الجميع كان متحمسا للمذاكرة خاصة أن علينا الحصول على درجات عالية تمكننا من دخول الثانوية بتفوق.. وفي وسط زحام الحصص والمراجعات والسعي الدؤوب لإكمال المناهج..
***
(  -سحر: ايوة.. لمن جات أبلة (سميرة) هي وكم أبلة وقالتلنا حطو الشنط ع الطاولات                   وفصخوا جزمكم!
   -أبلة أمل: طيب كانت حصة ايش؟
   -سحر: كانت حصة عربي
   -أبلة أمل: وفين كانت (منيفة) وقتها؟
   -سحر: كانت في الحمام.. يمكن يعني
   -أبلة أمل: وانتو كنتو عارفين في الفصل يعني انها جايبة (البلاك بيري)؟
   -سحر: لأ ما كنا عارفين لين ما فتشوا
   -أبلة أمل: طيب روحي فصلك (سحر).. شكرا ع المعلومات
   -سحر: عفوا..   )
خرجت من مكتب (أبلة أمل) وذهبت إلى الفصل بعد ذلك التحقيق الذي استمر 45دقيقة، وأنا أفكر في تلك المشاغبة (منيفة) التي أحضرت معها جوالها الخاص يوم أمس ونالت ما نالت من العقاب وحسم الدرجات.. جلست في مكاني فهبت الطالبات نحوي والكل يسأل (اش صار) أو (اش قالتلك أبلة أمل) ووووووو وأنا أفكر في طريقة للتخلص من أسئلتهم.. نعم وجدتها وأجبتهم: يعني.. كانت (أبلة أمل) تسألني ايش اللي خلا (منيرة) تفتن على (منيفة) انها جابت الجوال.. بس!
صحيح أن الطالبات لم يقتنعن لكن كان علي الكذب لكي أنجو مما قلته للإدارة مع أني لم أقل غير الحقيقة لكن نظرة الفصل تبقى ظالمة لمن يتعاون مع الإدارة بأي طريقة كانت..
خفت كثيرا من (منيرة) بعد ما حدث يوم أمس فأنا سأكون أكثر حذرا في الأيام القادمة فربما يأتي دوري أنا للتوبيخ وحسم الدرجات لأن أي تصرف يتعارض مع مصالح (منيرة) سيذهب بفصلنا كاملا إلى الإدراة.. لكني أعلم أن (منيرة) لم تفعل ذلك إلا لخوفها من والدها الذي لو علم بأن هناك (آلة يمكن أن تلتقط الصور) دخلت إلى المدرسة (فسيذبحها) كما تقول..!
وكخوفي منها خفت عليها أيضا فالقوانين في 3/3م تنفذ بلا هوادة على كافة الطالبات وأول تلك القوانين أن (النذل يستحق المقاطعة) صحيح أن (منيرة) لم تكن (نذلة) جدا، لكن مفهوم (النذالة) في مجتمع المدرسة ينحصر في أنه يجب ألا تخرج الأسرار والمشكلات خارج الفصل حتى ولو إلى مربية الفصل فكيف بالإدارة؟!
أشفقت على (منيرة) وعلى (منيفة) أيضا فأنا واثقة من أن الأولى لم تبلغ عن الثانية إلا بسبب ما نسميه في الشلة بـ(فوبيا الكاميرات) الذي تظهر أعراضه عليها فور سماعها عن (آلة تصوير) حتى ولو كانت غير موجودة في المكان أصلا، وأنا واثقة أيضا من أن الثانية ستتعرض لاستجوابات لغاية شهر من الآن بما أننا في مدارس (.....) لكنها تستحق لأنها من أقحمت نفسها في مشاكل كهذه.. لكن الأمر كان سيمر على ما يرام ونحتفل بانتصار آخر تغلبنا فيه على الإدارة فهذه ليست المرة الأولى التي نحضر فيها الممنوعات بدءا بالمشروبات الغازية وانتهاء بجوالات الكاميرا..
صرنا نسمع الكثير من المضايقات أثناء دخولنا وخروجنا من المدرسة فصديقات (منيفة) كثيرات جدا ومن كافة المراحل، وهي طبعا لم تقصر في إخبارهم جميعا أن (منيرة) التي تنتمي لـ(شلتنا) هي (الفتانة)!
ولأنني أحسست بالحرج كان علي الذهاب والحديث معها عن الأسباب التي جعلتها تفعل ما فعلت، سألتها فأجابتني بالدموع وبعد ربع ساعة من البكاء، قالت:
-منيرة: والله ما كان قصدي.. أنا بس شفتها تصور وخفت انو تصورني بعدين الإدارة تتصل             على أبوي وتكلمه بعدين يقلب الدنيا على راسي.. ما كان قصدي هي تتضرر..
-سحر: خلاص يا بنت اللي سار سار.. بس أنا كنت أباكي تتكلمي قبل ما تسوي شي زي          اللي سويتيه يعني.. يعني ما كان لو داعي هادا التسرع.. كنتي قلتيلنا..
صحيح أني كنت قاسية معها في ذاك الحوار لكني كنت أريد أن أُشعرها بأن والدها يجب ألا يكون المتحكم بصداقتنا، وأن أُشعرها أيضا بأنها أخطأت لأنها لم تتصرف تصرفا سليما.. كان يجب أن تتأكد أولا من أن (منيفة) لم تصورها وأنا واثقة بأنها لن تجرؤ على التقاط ربع صورة لأي طالبة من الفصل فكيف بـ(منيرة)؟ كان يجب أن تحافظ على قوانين (3/3م) المقدسة والتي تميزه عن أي فصل من فصول المدرسة كلها.. لا أريد أن أقول أن (منيرة) أفسدت جميع علاقاتها وعلاقاتنا ببقية الفصل.. أفسدت تلك الروابط التي جمعتنا.. لكن الحقيقة أن هذا ما حدث فعلا.. صحيح أن طالبات الفصل استطعن تفهم موقفنا المغاير تماما لموقف (منيرة) لكنني أجزم بأنهن أصبحن يشعرن بالتوجس فور رؤيتنا ويبدأن بإخفاء كل شيء.. حتى المشروبات الغازية التي نتفق على إحضارها جميعا بدءا بـ(منيرة)
***
وأثناء هذا الجو المتوتر خطرت لصديقتنا (المحششة) في (الشلة) (آية) فكرة رائعة لم يكن بوسعها طرحها إلا في حصة العلوم!: بنات.. ايش رايكم نخرج سوا؟؟؟؟ يعني بمناسبة انو ماراح نحضر حفلة التخرج حقت المدرسة لأنها بايخة..
فصرخ الكل: لاحول ولا قوة إلا بالله مو وقتك (آية) خلي الحصة تخلص..
ألحظ قسمات وجه (منيرة) امتعضت قليلا لكنها لم تكن تريد لأحد أن يرى ذلك..
أسأل نفسي هل ستحدث مشكلة بسبب هذه الفكرة؟؟
علي التفكير في حل يخرجنا من هذا المأزق..
وجدتها.. بما أننا في (جدة) علينا إذا أن نذهب إلى (الشلال) مدينة ألعاب رائعة تخصص يوم الثلاثاء للنساء.. النساء وحدهن دون أي رجل ولو كان عمره لا يتجاوز ثلاث سنوات.!.
وأهمس فورا في أذن (روان) صديقتي المقربة: اش رايك نروح (الشلال)؟
فتجيبني: والله جبتيها يا بنت أصلا أبو (منيرة) حيخليها تروح بس لازم يوم الثلاثاء..
-أكيد اشبك لازم يوم الحريم ولا نسيتي؟
-لا ما نسيت يا (سحر) خلاص بعدين نكمل الهرجة الأبلة تطالع فينا من أول..
-طيب..
وأتظاهر بأنني أتناقش مع (روان) عن الدرس كي أنجو من المعلمة..
تنتهي تلك الحصة ونذهب للفسحة ونبدأ بالنقاش عن موضوع تلك النزهة (البناتية) فقط دون وجود الأهل المزعجين..
بدت (منيرة) مرحبة بفكرتي كثيرا خاصة أنني أقنعتها بأن تصطحب إحدى عماتها معنا كي يطمئن والدها فوافقت أخيرا ولكن ليس على الذهاب بل على اخبار والدها فقط.!.
***
-سحر: ألف الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله محمد..كلللش أبوكي وافق؟ معقول؟ مو              مصدقة!                          
-آية: يا سلام يا صقيقتي يا (منيرة) أخيرا ربنا هدى أبوكي.!.
-منيرة: خلاص ياسحر.. خلاص يا بنات بسكم عاد.. إن شا الله حنروح وننبسط بس ادعوا             إن شا الله أبوي ما يغير رايه..

***
قبل يوم واحد من موعد ذهابنا طرأت على تلك الرحلة المنتظرة مشكلة خاصة بي وهي أن أبي أخبرني بأنه لن يتمكن من إيصالي إلى (الشلال) يوم الثلاثاء لأنه مرتبط بمواعيد.. تبرمت في بداية الأمر وغضبت لكنني أدركت في نفسي أن صديقاتي سيؤجلن الرحلة كي يتسنى لي الذهاب معهن،، وفعلا ذهبت إلى المدرسة في اليوم التالي وأخبرت (الشلة) فوافقن فورا على تأجيلها إلى الأربعاء، لكن (منيرة) كان لها رأي آخر..
-منيرة: خلاص على كذا أنا مني رايحة معاكم
-آية: أوووووووف ليش يا (منيرة) احنا ما صدقنا أبوكي وافق
-منيرة: عشان حظرة الست سحر تبغى تروح الأربعاء لأنو أبوها مو فاظي..أنا ما                  يخلوني غير مع مرة أبوي وهي ما تقدر الربوع..!
-سحر: لا يا (منيرة) إزا فيها مشكلة أنا اللي ما أجي مو انتي وبعدين ياخي طفشتينا كل           شي أبوي أبوي يرحم أمك خلاص أنا اللي ما أروح وخلاص..

ونهضت من مكاني وخرجت من الفصل ساخطة..أحسست أنني غبية عندما فكرت في (منيرة) وهي لم تفكر بي وأخذت القرار بأن أذهب مع أختي يوم الأربعاء وحدنا وأن ذلك لن يكون أقل متعة من الذهاب مع البنات فلي أخت بألف (محشش)!
***
عدت إلى المنزل ووجدت أبي يلغي جميع مواعيد يوم الثلاثاء ففرحت كثيرا واتصلت فورا على (سارا) وأخبرتها بذلك ففرحت لي كثير وأخبرت الجميع.. لكنني ورغم أنني ذاهبة معهم يوم الثلاثاء أخذت موقفا من (منيرة) ومن تصرفها الأحمق..
***

وأخيرا.. (يا فرحة تمت) وصلنا إلى (الشلال) عند الخامسة والنصف عصرا، وما إن رأينا بعضنا حتى بدأنا بالصراخ..لا أدري ما إذا كان صراخنا هذا ناتجا عن حماسنا، أو ناتج عن دهشتنا لرؤية بعضنا البعض أخيرا بملابس مختلفة عن ذلك الزي الأزرق القاتم البغيض!
لن أنسى كيف كنا خائفات لكننا تشجعنا وصعدنا إلى (السكة الأفعوانية) أو ما نسميه (قطار الموت) المطل على البحر مباشرة، ولا أزال أتذكر كيف تخيلنا أن السكة ستنحرف فنطير عبر البحر الأحمر ونهبط وعرباتنا في (باب العزيزية) ونتمكن من رؤية (القذافي) وجها لوجه!!!!!!!!!!!!!
أذكر كيف كنا نتنقل من لعبة لأخرى كالأطفال،، وكيف كنا سعدااااء جدا.. هاهي الساعة تشير إلى الثامنة وخمس دقائق وهاهي (منيرة) تأتي راكضة نحونا...
-منيرة: بنات بنات.. يلا أنا رايحة مع السلامة
-آية: تعالي هنا.. اش الكلام الفاضي دا؟ كيف يعني رايحة؟ الساعة لسا تسعة
-منيرة: يعني حأطلع من الباب وأركب سيارة وأنقلع على بيتنا.. اش يعني؟ واذا على                  الساعة خلاص أنا أشوف انو قعدت معاكم كثير أبوي دق على زوجتو هاذي قال لها           يلا اخرجوا أنا برا وبس.. مع السلامة..
استغربت واستغرب الجميع من (منيرة) ومن هذا الفعل الشنيع الذي قامت به لكننا التزمنا الصمت من هول الصدمة...
***
كان هذا آخر موقف لي مع (منيرة) لأنني باختصار تخليت عنها.. لم تعد صديقتي لأنني سئمت اعتذاراتها الكثيرة عن كل مشروع نفكر في القيام به.. سئمت الإحراج الذي سببته لنا بعد مشكلة (منيفة).. سئمت من الجروح التي تسببها لي في كل مرة أتشاجر فيها معها.. وسئمت (بداوتها) القاتلة..
حزنت في البداية على كل اللحظات التي قضيناها معا لكنني وعندما اتخذت هذا القرار قطعت على نفسي عهدا بألا أتراجع فيه وها أنا أفعل.. لذلك توقفت عن التفكير في تبعات قراري هذا.. لأنه كان فعلا القرار الصائب.!!

وفي النهاية هذه رسالتي لـ(منيرة)
(منيرة إن كنت قرأت رسالتي فاعلمي أن كل لحظاتنا الجميلة ستبقى عالقة في مخيلتي رغم تخليّ عن صداقتك.. آسفة كثيرا لكني لم أعد أحتمل كل هذه المواقف الكثيرة التي ضغطت فيها على نفسي واحتملتك واحتملت تجاهلك للجميع و(بداوتك) المزعجة والتي لم تحاولي أبدا أن تتخلي عنها لأنك تعتقدين أنها الأصح دائما رغم إعجابك بمجتمعاتنا جميعا.. المهم أنني أكرر اعتذاري لك... أتمنى أن أراك كما تحبين.. سحر)

قوة الأرض

نعود إلى منازلنا المدمرة..
وكأننا نرى الذل.. كأننا نرى القهر والأوجاع..
لكننا نعاود الصمود مجبرين!
نعاود بناء المنازل كما نفعل في كل مرة تدمر فيها المدافع بيوتنا..
نبنيها حجرا حجرا.. بقوة الأرض..
تلك القوة التي نستمدها من رمل {
غزة}..
تلك القوة التي تنمو فينا كلما حملنا (الطوب) لبناء المنازل التي نوقن تماما أنها ستدمر مرة أخرى..
قد لا نكمل البناء لأن الدبابات ستدوس ذلك (الطوب) غير مبالية بقيمته لدينا..
لكننا نعود لنبدأه من جديد فالأمل هو ما يدفعنا لفعل ذلك مرة أخرى..
نضع كتل الطين في قوالب كي تصبح حجارة صلبة فور إخراجها من الفرن..
وكذا نحن..
نصير أصلب كلما عصفت بنا ظروف قاسية..
كلما أرهقتنا مرارة الحياة.. التي تذيب الأمل في داخلنا شيئا فشيئا..
لكننا عندما نلحظ فتور هممنا..
نعود لوضع كتل الطين داخل القوالب التي صدئت من كثرة استعمالها..
ونعود لنستمد قوتنا من قوة أرضنا..
فرغم ما نعانيه إلا أننا صامدون..
إنها ليست قصة أسرة أو حي أو مقاطعة..
إنها قصة شعب بأكمله..
شعب يعاني بصمت، ولسان حاله يقول:
أما آن للنور أن يسطع؟..
أما آن  للفجر أن يبزغ؟..
أما آن لأولئك العرب أن ينهضوا؟!
أما آن للحصار أن ينفك؟!
أم أن قدر {
غزة} أن تتحمل حماقة عرب حادوا عن طريق نهضتهم؟؟! 

الكوفلة


الكوفلة:(مفردة عامية تعني الغطاء الذي يلف به الرضيع)
تدخل المكتب ضجرة من مستوى طالباتها.. تتنهد بعمق..
: بنات أولى ثانوي فقعوا مرارتي!
وتأتي عبارات المعلمات شاكية وباكية هي الأخرى من طالبات أولى ثانوي فتدرك أنها (فكت هرجة)..!
تخوض المعلمات في نقاش مطول عن طالبات الصف الأول الثانوي.. تنسل بهدوووء من (الهرجة) وتخرج أدوات الخياطة لتخيط يدي دميتها بعد تعرضها للتعذيب على يد ابن أختها.. !
--*--
تعود إلى منزلها بعد يوم مرهق وأصوات الطالبات لا تزال عالقة في ذهنها.. تأخذ حماما دافئا وتتوجه نحو غرفتها تدخل دميتها في مهدها وتستسلم للنوم.. وما إن تستغرق في النوم حتى يرن هاتفها.. تستيقظ فزعة..
: ألو
: بتووووول فكي الباب صارلي ساعة أدق الجرس
: أووووووه معليش سبت المفتاح معلق.. يلا جاية
تسرع نحو الباب وتفتحه.. يبتسم..
: الله يهديك شوية وكنت حاتجمد.. 
: معليش والله ما أخدت بالي
تحمل عنه أغراضه.. وتسرع نحو مطبخها لتعد الغداء.. تضع الصحون على الطاولة
 وتناديه..
:  يا غالب يلا الغدا
يأتي مسرعا وعلى وجهه علامات الجوع.. يبدأ بالأكل وتنظر إليه..
: غالب..
وتصمت..
: نعم..
:خلاص ولا شي..
ينظر إليها ويكمل طعامه.. ترفع بصرها إلى عينيه لتتأكد من نظراته.. تحدث نفسها..
: ما زعل..
تظل دوما حريصة جدا على مشاعره وقبل أن تخوض معه في أي حديث تراجع كلماتها وتتأكد من صياغة عباراتها.. يكتمل تدقيق النص فتخرجه إليه.. تندم على أي كلمة خرجت عن غير قصد.. تعتذر عن كل شيء.. وتشكره على أي شيء.. ففكرة أنه صاحب فضل عليها لا تبرح عقلها.. بينما لا يكاد يذكرها هو.. !
--*--
توقظه برفق بعد قيلولة قصيرة.. تقدم له الشاي..
: غالب والله آسفة.. خلص النعناع
: مو مشكلة هاتيه
وتقدمه على استحياء.. يتناول كأسه وينظر إليها..
: بتول.. أمي عازمتنا عشا.. اش رايك نروح ولا؟
وكأنه ألقى بحمل كبير على قلبها.. ترد عليه وهي تنظر إلى الدمية في مهدها..
: اذا حاب تروح......
ينظر إلى الدمية ومهدها.. وفورا يغير رأيه..
: واذا قلت ماني حاب؟
: على راحتك.. بس أخاف أمك....
: ما عليك ما راح تزعل.. اش رايك نخرج اليوم؟
: فين تحب؟
: أي مكان.. نقرر في السيارة.. روحي ألبسي أصلي المغرب وأرجعلك
: طيب..
وتذهب معه إلى مطعم قريب.. يقطع حديثهما صوت هاتفه.. يخرجه وينظر إليه وينهض من كرسيه مبتعدا عنها..
: ألو كيفك يا أمي؟
: فينكم للحين ما جيتوا؟
: نسيت أقولك.. ما حنقدر نجي
: يا ولد اشبك صرلك ربوعين ما تجي سيب اللي في يدك وتعال
: بس يا أمي ما حينفع..
: حينفع تعال بسرعة
يستدير ليجدها تستعد للذهاب..
: الخالة قالتلك تعالوا صح؟
: صح..
ويتوجه نحو المحاسب..
تهمس..
: تعال دفعت الحساب
يركبان سيارتهما ويتوجهان نحو (البيت الكبير).. وما إن يدخلا حتى يضيق صدرها.. تتجه نحو (المجلس)..
: السلام عليكم..
وتخص خالتها بقبلة على يدها..
: كيفك خالتي؟
: الحمد لله.. اشبكم ما كنتوا جايين؟
: كنت تعبانة شوية خالتي
ويجيب هو في الجانب الآخر بنفس الإجابة.. تمضي ليلتها تلك معكرة المزاج.. وهو كذلك..
--*--
تنزل من السيارة..
: مع السلامة غالب..
: مع السلامة
وتتوجه نحو المدرسة..
تدرس حصتها الأولى والثانية والثالثة.. ثم تدخل المكتب منهكة بعد وقوف طويل..
: مرحبا بنات..
: أهلين بتول..
وتجلس في مكتبها.. تسند رأسها إلى الجدار وتغمض عينيها..
تقترب منها سعاد.. تهمس في أذنها..
: بتووووول نمتي؟
تنهض فزعة..
: الله يهديك يا سعاد ليه كدا بس؟
: مين يهرج معايا أنا؟
: طيب يا ستي في غيري أصلا يعطيك وجه؟
تهم بالحديث فتدخل تهاني حاملة مولودها الجديد..
: اشلونكم بنات
تنهض المعلمات نحوها ويبدأن بالتناوب على حمله وتنظر البتول إليه وتحاول دس دمعاتها عنهم..
تستجمع شجاعتها وتقترب منه.. تستجمع شجاعتها أخرى وتقبله فتنسحب المعلمات من ذاك المشهد المأساوي بهدوووء وتبقى تضمه إلى صدرها ولا تبالي بنظراتهن.. لا ينبهها سوى صوت الجرس.. تعيده إلى أمه.. وتخرج من المكتب لتدرس حصتها الأخيرة ذلك اليوم..
تدخل الفصل فتسمع إحداهن تتحدث..
: شفتي أبلة بتول سارت حلوة بعد ما اتزوجت..
: بس يا حرام يقولوا ما تجيب عيال..
وما إن يتنبهن لوجودها حتى يصمتن..
تحاول إقناع نفسها بأنهن لم يتحدثن عنها لكنهن قلن (أبلة بتول).. تستدير نحو الباب.. تفتحه وتخرج من الفصل فتدرك الطالبات أنها سمعتهن..
تسير في الممر حاملة كتبها.. تقابلها المراقبة..
: أبلة بتول عندك حصة..
: ما أبغاها..
: أبلة بتول في شي؟
: تعبانة شوية..
: سلامتك
وتكمل سيرها.. يخالجها شعور بعدم الاستمرار.. فتقرر في لحظة عدم الاستمرار وتبني على ذلك..
تعود إلى مكتبها.. تنظر إليها سعاد..
: بتول..  بالله مين اللي رضي ياخد حصتك.. ع أساس متقدمة في المناهج.. وبعدين لين ..............
: محد أخذ حصتي.. تعباااااااااااااانة
تقترب منها وتضع يدها على جبينها..
: اشبك بتول؟
: ما أدري
وتخرج جوالها من حقيبتها.. وتتصل به..
لا يجيب.. تعاود الاتصال به لكنه لا يجيب وعندما تدرك ألا فائدة تضع رأسها على الطاولة..
وتعود بها الذاكرة لليوم الذي تزوجا فيه.. لا تزال تذكر أدق التفاصيل منذ بداية حياتها الزوجية والتي لم تتعد أشهر حتى ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه أنها (عقيم).. وبعد ذلك لم يعد أي حدث يبقى في ذاكرتها.. !
يرن هاتفها..
: ألو
: بتول اشبك داقة علي أربعة مرات؟
: تعال خدني.. تعبانة
: دقايق بس..
يترك ما في يده ويتوجه نحوها فكل شيء يسوء في عينيه عندما تكون البتول (تعبانة)..
يتصل بها..
: بتول اخرجي أنا تحت..
تودع صديقاتها وتتوجه نحو الحضانة.. تفتح الباب فترى الكثير من الأسرة تتوجه نحو رضيع تهاني.. تحتضنه وتقبله.. وتخرج..
تستوقفها المديرة..
: أبلة بتول خارجة بدري عسى ما شر
: شوية تعب..
: سلامتك
: الله يسلمك.. مع السلامة
وتخرج من المدرسة.. يتجه نحوها ويمسك بيديها..
: بتول اشبك؟
وحين سؤاله تأذن البتول لدمعاتها بالخروج.. فيدرك أن أمرا ما ضايقها..
يساعدها للدخول إلى السيارة.. ويكرر السؤال..
: بتول اشبك؟
تصمت طويلا فيصمت ويقرر الحديث معها في وقت لاحق..
ينتصفان الطريق.. يهم بالحديث فتسبقه..
: غالب.. طلقني!
يفلت المقود..
: بتول اش صاير؟
: ما في شي.. طلقني وبس
: انت فعلا تعبانة
ويحرك سيارته متجاهلا  كل ما قالته فهو يعلم أنها تعيش حالة من اللاوعي..
: أنا اش قلتلك غالب.. طلقني
: في البيت يا بتول.. بس نوصل البيت حأطلقك..!
تستغرب رده لكنها تصمت..
يصلان إلى منزلهما يفتح الباب وينطلق مسرعا نحو غرفتهما.. يدخل ويأخذ الدمية في المهد فتدخل الغرفة..
: سيبها
: آسف ما أقدر
: قلتلك سيبها يا غالب.. سيبها
وتجهش بالبكاء..
: بتول انتي ماتحسي؟ كم لك حاطة القرف دا هنا وأنا ساكت؟
: انتا اللي ما تحس كلكم ما تحسوا.. انتا وأمك وأخواتك وأمي وأخواني وكلهم يبغوك تتزوج.. روح اتزوج غالب أنا ماني زعلانة..
يسقط الدمية على الأرض ويخرج من الغرفة..
تسرع نحوها تحملها وتضمها إلى صدرها..
: معليش حبيبي.. بابا شوية معصب.. لا تاخد ع خاطرك !!
وتنتحب البتول ويسترق النظر إليها مخفيا عبراته..
--*--
توقظه برفق كعادتها بعد انتهاء قيلولته.. يفتح عينيه..
: كيفك؟
: الحمد لله
تقدم له الشاي.. ويسود الصمت بينهما.. يتناول كأسه وينهض..
: بتول أنا طالع..
: الله معاك..
يرتدي ملابسه ويتوجه نحو باب شقته ويلحظ كيسا معلقا على الباب.. يحمله عل أنه قمامة لكنه يفاجأ بما فيه.. يعود إلى غرفته فيجدها ترقد على السرير وتقرأ كتابا.. يقطع خلوتها
: بتول.. العروسة
: ما عاد أبغاها.. أرميها
وتشيح بوجهها عنه..
: بس سيبلي الكوفلة
: بتول أنا بس كنت معصب لمن شفتك زعلانة.. ما كان قصدي........
: اسمع الكلام يا غالب
يقترب منها ويطبع قبلة على خدها.. فيستقبل ذلك الخد دمعات ثقلت على العينين.. يمسح دموعها ويخرج..
--*--
تخرج من (دار الأيتام) حاملة رضيعها.. تسير ببطء لئلا تتعثر وتقطع نومته..
وكذا بقيت تراقبه ببطء يكبر ويكبر أمام عينيها وعيني غالب.. في كل ليلة تسهر قربه وتغني له حتى ينام وتبقى تنظر إليه.. لا تكاد قدماه تلامسان الأرض فهو دوما بين ذراعيها.. ولا تكاد عيناهاا تفارقه.. ولا تزال رغم بلوغه الثالثة تلفه بتلك (الكوفلة).. !