الجمعة، 2 ديسمبر 2011


سأرثي السودَانَين الأسمرَين!
ها أنا أستيقظ في صباح يوم جديد في بلاد المهجر، وكلي شوق إلى أرض الوطن لكن ما حدث بالأمس قلص ذاك الشوق ووسع دائرة البعد..
أذهب إلى مدرستي مثقلة بالأوجاع.. أفكر فيما قد يحدث لوطني بعد ذاك الخطب الجلل، وأفكر أيضا في احتفال يوم الغد بسفارتنا هنا والذي سأقدم فيه أغنية بعنوان [أنا سوداني].. وأفكر في أنني لن أشعر غدا بالحماس بل سأغني بفتور وألم.. سأغني وأنا أشعر بأن جزءا مني تمزق كما تمزق الجنوب.. سأغني وأنا أشعر بأن هذا الوطن بيع بيعة قذرة قبض ثمنها أولئك القادة الذين لم يضعوا حسابا لمشاعر شعب تمزق، وهوة اتسعت..سأغني وأنا أفكر بخريطة بلادي الجديدة، خريطة ستبدو بائسة مقطعة الأجزاء..
يمر يومي ثقيلا على نفسي وأنا أتمنى لو أن أمرا ما يحدث ويمنعني من الذهاب غدا للاحتفال لكن..لا شيء حتى الآن.


يا إلـهي..إنه يوم الخميس.. سأذهب إلى الاحتفال رغما عني فلا يمكنني الغياب عن احتفال كهذا خاصة أن القناة القومية ستصور الحدث.. أصل إلى موقع السفارة متأخرة بعض الشيء لكن لا بأس ففقرتي هي السادسة وهناك وقت كافٍ قبل الفقرة.. توصيني أمي بالثبات وتجاهل الجمهور، والأداء بإخلاص، واستشعار معاني الكلمات لكنني أجد في ذلك صعوبة علي فمشاعري تختلط بين الخوف والألم والرجاء بأن يحدث شيء يمنعني من الصعود إلى المسرح..
مر الوقت سريعا وها أنا أصعد إلى خشبة المسرح والدموع تملأ عينيّ الكسيرتين.. أجذب مكبر الصوت وأصر على أن أبوح بما في داخلي، فأقول: (أيها السادة الحضور لن أغني هذا اليوم بسرور كما اعتدتم وبلادي ممزقة.. لن أغني اليوم أغنية الوحدة وبلادي مشتتة.. سأغني بكل وجع وحرقة..سأغني أيها الجمهور ودموع الأسى تعلو وجهي.. سأغني وسأظل أغني ولكن ليس بذلك الحبور الذي اعتدته..وسأعود إلى بلادي ذات يوم وأرثيه.. سأرثي النيل والطمبور، سأرثي الأبنوسة والنخلة، سأرثي الشمالي والجنوبي..سأرثي السودانَينِ الأسمرين).

25/8/1432

وأبدأ بالغناء باكية:  
(كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتخر..................)
وهاهي الدهشة والإعجاب ترتسم على وجوه جميع من في القاعة، لكنهم جميعا صفقوا لي بحرارة، وهذه أمي تصفق معهم باكية هي الأخرى.. متأثرة بحديثي النابع من قلب مغتربة أوجعتها الفرقة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق