الأربعاء، 18 أبريل 2012

رجلٌ كأمي !


كنت شابا حينها غير مسؤول تماما.. أرى في زوجتي عشيقة أسطورية.. وفي صغيري ملاكا من الجنة.. أعود كل يوم فأجد منزلي في أحسن صورة.. بهيا جميلا تفوح منه رائحة البخور.. عبقا بحبهما.. يأتي الصغير راكضا نحوي.. يقبلني وأحمله ويبدأ بسرد ما فعل هو ووالدته في الصباح.. أسمع حديثه تارة وتارة أخرى أغفو بانتظار أن تعد حبيبتي الغداء.. فأسمع صوته غاضبا يشكوني لأمه..
: أمي.. عاد أبي للنوم مجددا.. لم ينام حين أروي له ما نفعله كل يوم؟
تضحك وتخفض صوتها..
: إنه مجهد من العمل يا صغيري.. حدثه فيما بعد
يخرج من المطبخ حاملا لعبته فأغمض عينيّ متظاهرا بالنوم.. يضرب فخذيّ بيديه..
: هيا يا أبي حان وقت الغداء..
وفي يوم آخر أرى زوجتي تهم بالشكوى لي عن كثرة أعمال المنزل فتتراجع حين تراني مشغولا بأوراقي أو متحدثا بالهاتف وتكتم ما في نفسها.. الغريب أنني أعلم ما في نفسها لكنني أؤجل الحديث حتى وقت لاحق..
وحين أعد بني بإصلاح لعبته فيأتي حاملا لعبته طالبا مني إصلاحها فأزمجر في وجهه وأتجاهله.. وتقوم والدته عني بما وعدت..
وأذكر يوم أن تأخرت ساعة عن موعد عودتهما من مدرسة الصغير في يومه الأول فعادا مستقلين سيارة أجرة..
وكلما هم الصغير أو همت بأمه بالشكوى إليّ حال تجاهلي دون أن يبوحا لي بما في داخلهما من ضيق من أفعالي..
وحين تقبل عطلة نهاية الأسبوع أقطع عهدا على نفسي أن أسمع ما بداخل صغيري وأمه.. فأراني دائما أحنث وأبر بعهدي في أحايين قليلة..
يومها حاصرتني نفسي فقطعت عليّ عهدا بأن أبر بما عاهدتها وأقسمت ألا أحنث فذهبت أداعب الصغير وألاطف أمه.. خلتني سأفاجئه حين فتحت الباب ووجدت أمه تلعب معه وصرخت..
: بطلي الصغير تعال لوالدك..
فالتفت إليّ ضجرا يجر خطواته جرا.. حاولت إيجاد ما نتحدث عنه.. فبادرته..
: غدا حين يكبر حبيبي سيصبح رجلا كوالده.. بطلا شجاعا أليس كذلك؟
قفز قفزتين وصرخ فخلت سؤاليَ نال استحسانه.. لكنه لم يكن كذلك.. قال موبخا ببراءة..
: حين أكبر سأكون رجلا كأمي.. وسأحب أطفالي وسأ..........................
ولم أسمع تتمة ما قال لما أسقطتني جملته المحرجة في هاوية لم أعرف لها نهاية..
نظرت إلى أمه ونظرت إليّ ولم أعرف ما أفعل فانسحبت سريعا من المشهد المخجل..
وفيما بعد أخذت دروسا على يد أم الصغير تعلمني كيف أكون رجلا مثلها.. !!!
علمني الصغير وعلمتنه أمه أن أكون رجلا أبا .. كلما هممت بأن أصرخ في وجهه أو أتجاهل حديثه أو أغفو حين يتحدث أراني تذكرت جملته تلك فعدلت عن قراري أملا أن يعدل صغيري ذات يوم في الجملة شيئا يسيرا.. ويضعني مكان أمه قدوة له.. !
الغريب أن الصغير لما كبر لم يذكر جملته تلك.. في حين لم تمحها السنين من ذهني لأن شيئا ما داخلها حركني لأكون رجلا كأمه ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق