الأربعاء، 18 أبريل 2012

أولن أحن لأمي؟!


على ذات المسرح أصعد كل مرة لأغني إحدى روائع "محمود درويش" فأنا مولع به إلى حد الجنون.. وكلما غنيت إحداها صفق الجمهور بحرارة وحياه من خلالي.. واقترب أحد الحضور مثنيا..
: أحسنت.. في المرة القادمة نريد "أحن لأمي"..
فأجيب بذات الإجابة..
: لا أجيدها كثيرا سيدي..
: لا تكن متواضعا.. أجدت ماهو أصعب فقط تدرب على اللحن وستكون أروع مما تظن..
فأتنهد وأغتم..
: خيرا إن شاء الله..
وأجلس وحدي كل مرة غارقا في الذكريات متجلدا مرة.. باكيا مرات..!
يوما كنت أتمشى وحدي في ردهات الكلية.. ناداني أحدهم باسمي فالتفتُّ فاقترب وسلَّم.. وأعطاني ورقة وشريطا..
: تفضل..
فعلمت أنها أغنية عليَّ أداؤها.. أجلت قراءة الورقة حتى أعود إلى شقتي.. ولما عدت فتحت الورقة فوجدتها كلمات أغنية وكان الشريط لها مغناة.. مكتوب عليه بخط عريض.. " أحن لأمي".. فدافعت دموعي لكنها أبت إلا الهبوط.. عجبا كيف لم ألحظ عنوانا يمحو كل ألواني ما إن أراه؟! ألم أعلل إعيائي منذ أن أخذته بهذا الشريط؟! ألم ألحظ وجهي شاحبا ويداي متعرقتان؟! ألم يجد ذلك الشاب غيري ليغني رائعة أحبها لحب كاتبها فحسب؟!
"أحن لأمي" .. مالي أرى طيفك يلاحقني أينما ذهبت؟! ارءفي بي فليس سواك يعييني.. !
وظللت غارقا في أشجاني حتى حان الثلاثاء موعدها.. لم أصعد على المسرح واثقا ككل مرة.. لكنني استطعت أن أحمل المكبر وأقربه من فمي..
: عدنان الخطيب.. في "أحن لأمي"
وبدأت الموسيقى وعلى وقعها عادت ذكرياتي صبيا يحن لأمه لما لم يجد أما.. قبضت على المكبر وبدأت..
: أحن لأمي.. فخارت قواي لما عادت ذكرياتي صبيا يبلل فراشه لا إراديا رغم بلوغه السادسة.. وكل يوم حين تشرق الشمس أبكي لما كان الضوء موعد عقابي على مرض ليس بيدي.. وأهم بأن أضع ملابسي المبللة مع كومة الملابس المتسخة فتأتي ناقمة على مرضي.. تجلدني بالسياط..!
: إلى خبز أمي..
فيرن في أذني صوتها طاعنة في رجولتي ذات الست سنوات..! وأكتم الخوف لكنه يظهر على الملامح فتعود لتقتلني بها.. كن رجلا.. !
: وقهوة أمي..
حين كسرت قدحها فلم آكل يومين!
: وتكبر فيّ الطفولة يوما على صدر أمي..
وتلك الطفولة التي اجتثت من داخلي.. لم أرها على ذلك الصدر.. لم أعرفه دفئه يوما يؤويني..!
حينها توقفت إعياءً وبقيت أهذي لحن الأغنية جاثيا على الركبتين باكيا الطفولة ..
أولن أحن لأمي؟ إلى خبز أمي ؟ وقهوة أمي ؟؟!! وتلك الطفولة التي سحقتها على مرأى مني ؟  لتصنع مني رجلا .. فلم أغدو في السادسة رجلا ولم أحظى حتى العشرين بطفولة وكأن الطفولة غادرت الدنيا لما غادرتها أمي ..! وأراهم يعزونني ظانين أني أبكيها حنينا ..
: "رحمها الله" ..
وأنا لا أبكي سوى طفولتي .. لا أرثي إلا صباي .. !

وأسر في نفسي .. ليته رحمها قبل أن تقتلع طفولتي ..!
***
أيتها الأنثى.. لا تصبحي أما.. مالم تتعلمي إتقان ذلك.. !
وتلك نصيحة من عشريني لم يعرف طفولة.. !
الأحد
16/5/1433ه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق