الأربعاء، 18 أبريل 2012


امرأة بلسان فلسطين تعظكم أبناءها أن لا تخرجوا منها
فتقتلوا برصاص عربي..
توبخ الظلم الذي شاع بين الإخوة وائدا الرحمة قاتلا العدل..
لا تخرجوا ففي كلا الحالين ستقتلون فتخيروا رصاصا يهوديا
يقتلكم رغم قذارته فليس أقسى من أن يقتل الأخ برصاص أخيه..
لا تخرجوا أجدى من أن يسخر منكم التاريخ فتكتبون في أقبح

تجليات الظلم شهداء قتلوا بأيدي إخوتهم !
 أم الوليد "


إن رأيتَ أمي فستلحظ أن لفظ "أنثى" قد لا يليق بامرأة مثلها..
حنطية اللون.. متوسطة القامة.. حكيمة.. صامتة إلا عندما يستدعي الموقف.. لها تجاعيد طبعتها حياة الرباط حول عينيها.. قلبها أشبه بقلب رجل.. غير أن العاطفة تغلبها حينا فترى الدموع تتلألأ في تلك العينين..
كنت في الخامسة حين رأيتها تبكي آخر مرة.. وقفتُ على الباب أنظر إليها تحمل صبيها ذو الخامسة عشرة ربيعا والخبز ملقى إلى جانبه.. خرجت تبتاعه فبدأ القصف ولما عادت وجدت فلذة كبدها غارقا في دمائه..
أذكرها تقبله وتبكي.. تقول لي..  
: روحي يما جيبي المسك..
وتضطرب خطواتي وترتجف يداي بحثا عن المسك.. ورغم صغري لم أخشَ الاقتراب من جثة ملطخة بالدماء..
سمعت الكبار يقولون ذات مرة.. أن الشهيد حي وحفظت تلك الجملة لأنها الأكثر استخداما هنا في غزة..
فقلت لأمي..
: تخافيش يما الوليد حي.. عند الله
فعطرته بمسكها.. ووقفت وحملته وزغردت على وقع دوي القصف والمطر آنذاك قد هطل فامتزج صوت الرعد بصوت الطائرات.. وامتزج المطر بمطر القنابل !
ودارت أمي في ساحة منزلها حاملة شهيدها تزفه إلى الجنة حيث أبوه.. لم تفتأ عن الغناء باكية اختلطت دموعها بقطرات المطر.. غنت له ذاك اليوم أغنية العريس.. وزغردت لما اختلط الحزن بالفرح.. !
: سبل عيونو وماد ايدو يحنولوا**غزال صغير بالمنديل يلفولوا**يا أمي يا أمي عبيلي المخاداتي**وطلعت من الدار وما ودعت خياتي** يا أمي يا أمي طاويلي المناديلي وطلعت من الدار وما ودعت أنا جيلي** وطلعت من الدار وما ودعت أنا أمي !!
أما عن آخر مرة فلا تسل اليهود..!
كانت تشاهد التلفاز بعد عشرين عاما على مقتل الوليد..
وكنت أنا في المطبخ حين سمعتها تصرخ باكية..
: ولي يا يما.. ولي يا يما قتلوك الكلاب.. ولي يا يما روح لأبوك وللوليد.. روح لـ الله
وتزغرد ذات الزغرودة.. وتغني ذات الأغنية.. وتعزي نفسها حتى سقطت على الأرض.. فهرعتُ إليها.. ونظرتُ إلى التلفاز فوجدت اسمه بين أسماء شهداء درعا.. شهيدها الثاني الذي لجأ إلى سوريا بعد أن ضاق به الحال..
ماتت أمي كمدا على أن القاتل عربي.. وآثرت اللحاق بابنها وأخيه ووالدهما.. ذهبت وتركت قوتها في قلبي.. تخبرني كلما قررت السفر لاجئة أن الوطن بحاجة إليّ.. تحثني على البقاء لألقى حتفي شهيدة برصاص اليهود.. لا برصاص العرب.. فالفلسطيني لا يرضى برصاص العار قاتلا له ! !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق