الأربعاء، 18 أبريل 2012

ماذا لو لم تدري لماذا؟!!


((إن عافت النفس شيئا أذلها فعليك الإصغاء لأوامرها حتى ولو كانت على حساب رزقك
**
وهذا ما فعلته فعلا.. استقلت من عملي بعد أن شعرت بالذل لاستثنائي من كافة النشاطات بحجة أنني أسود بغيض.. !
لكنني سألت نفسي..
لماذا ترافقني هذه اللعنة أينما ذهبت؟ لماذا أنا تعيس أسود؟ لماذا تفشل جميع خططي في أن أصبح فردا صالحا؟ لماذا ينبذنا المجتمع؟
وبقيت أدور في حلقة مفرغة طيلة أسبوع كامل.. لويت فيها عنق "لماذا" ولوت عنقي.. بل كسرته.. !
في اليوم السابع من ذلك الأسبوع وتحديدا بعد الظهر حين جلست وحيدا وعدت أستفهم مستخدما "لماذا" رن الهاتف.. جذبته بقوة آملا في أن تكفل لي هذه المكالمة عملا جديدا..
: مرحبا..
: أهلا أأنت ذلك الأسود البغيض؟!
: المعذرة؟!!
: مابك؟ ألم تقل هذا يوم أن استقلت من عملك؟
: عفوا من أنتِ؟ ولماذا تتجسسين على بيوت الآخرين لتعلمي ما يحدثون به أنفسهم؟
: لماذا
: أعتقد أني لم أسألكِ لتجيبي بذات السؤال
: أنا لا أجيبك.. أنا "لماذا" ذاتها التي تسأل بها
: يبدو هذا أمرا بعيدا عن الواقع أيتها السيدة
: نعم هذا أمر لا يحدث إلا مع أسود بغيض مثلك !! اتصلت لأقول لك أنني لا أدري لماذا يحدث معك كل ذلك ! وكي أقول أيضا
وصرخت في أذني..
: كي أقول أيضا.. ألا يحدث أيها الأسود أن "لماذا" نفسها عجزت عن إجابة أسئلتك؟ ماذا لو لم تدري "لماذا" نفسها لماذا تسأل أنت كل هذه الأسئلة؟ دعني أسألك سؤالا.. لماذا لا تحرك ساكنا من حولك؟ لماذا تستسلم لكونك عاجزا تستقيل دوما من عملك؟!
صمتُّ يومها طويلا بعد أن أغلقت "لماذا" الخط.. لأنها أرادت مني التفكير فيما قالته.. ومنذ ذلك اليوم عملت جاهدا كي أمحو من ذهني كافة استفهاماتي البادئة بـ"لماذا" عدا سؤالا واحدا هو الذي يهزني دوما..
"ماذا لو لم تدري "لماذا"؟"
إن لم تدرِ "لماذا" نفسها أجوبة كل تلك الأسئلة.. فهذا يعني أنها استفهامات وهمية لا فائدة لها سوى تثبيطك ومنحك شعورا بأنك أسود بغيض))
: وأنتَ الآن لست أسودا بغيضا؟!
: بتاتا
: رغم أنك في السجن؟!
: نعم.. لست أسودا بغيضا حتى وإن كنت في السجن.. بل دعني أقل لك سرا.. من هنا تبدأ عظمة المرء أن يسجن لسبب راقٍ.. مثل أن تتظاهر وحدك في الشارع طالبا الخلاص من هذه اللعنة فيُزج بك في السجن لأنك تخالف القانون.. ويتظاهر الجميع خارج السجن يوميا لأجلك ويعتبون على الدولة الديموقراطية عدم تنفيذ مبادئها الديموقراطية ! فتكون قد سجنت لسبب راقٍ .. أتعلم أيها الأبيض أن "لماذا" شيء مهم في حياتي؟! لأنها أداة الاستفهام الوحيدة التي أعادت إليَّ حريتي.. !
: حريتك؟! هذه أغرب اعترافات قالها متهم ! أيها الحارس أعده إلى السجن..
أخذني الحارس فطلبت منه إعادة السلاسل إلى يديّ.. ولما استفهم بـ"لماذا".. أجابه المحقق بأن أناسا تعيد إليهم السلاسل حريتهم.. وطلب منه ألا يستفهم بـ"لماذا" لأن سؤالا لا تدري "لماذا" إجابته لا يورث في نفس الأسود البغيض إلا سوادا بغيضا قاتما ! !



26/4/1433هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق